فلا تكثرو فيها الضِّجاجَ فإنه
محا السيف ما قَال ابن دارة أجمعا ([5])
ـ 5 ـ
وضّاح اليمن
وضّاح اليمن لقب غلب على الشاعر عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كُلال، لُقّب بذلك لجماله الفائق، وهو من شعراء الغزل المجيدين، وقد اختلف في نسبه فجعله بعضهم من قبيلة خولان الحميرية، ونسبه آخرون إلى الفرس الذين قدموا مع سيف بن ذي يزن لنصرته على الحبشة، والذين استوطنوا اليمن منهم بعد إجلاء الحبشة عرفوا (بالأبناء).
تعشق وضاح اليمن في أول أمره فتاة من أهل اليمن تدعى روضة وقد قال فيها غزلاً كثيراً، ولما خطبها إلى أهلها رفضوا تزويجها منه لأنه شهّر بها في شعره، ومن مشهور شعره فيها قصيدته التي يقول فيها:
قالت ألا لا تلجن دارنا
إن أبانا رجل غائر
قلت فإني طالب غِرّة
منه وسيفي صارم باتر
قالت فإن القصر من دوننا
قلت فإني فوقه ظاهر
قالت فإن البحر من دوننا
قلت فإني سابح ماهر
قالت فحولي إخوة سبعة
قلت فإني غالب قاهر
وفي أحد مواسم الحج أبصر وضاح أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان وزوج الوليد بن عبد الملك، وهو يومئذ خليفة، وكان الوليد قد توعد الشعراء إن هم تغزلوا بها، فلما وقعت عين وضاح عليها أُخذ بجمالها فشبب بها، ويقال إنها شجعته على التغزل بها. وبلغ شعره الوليد فعزم على قتله، وكان وضاح قد قدم على الوليد قبل ذلك ومدحه بمدائح عدة، فأحسن الوليد صلته، ولكنه غضب لتشبيبه بزوجه، فأرسل إليه من اختلسه ليلاً وجاء به، فقتله ودفنه في داره، فلم يوقف له بعد ذلك على خبر.
وقد حيكت حول مقتله أخبار هي أدنى إلى الأساطير فزعموا أن أم البنين كانت تخلو به في غرفتها وقد أعدّت صندوقاً لتخفيه فيه إذا فاجأها أحد، ونمي الخبر إلى الوليد من طريق أحد خدمه، فدخل على أم البنين وأخذ الصندوق الذي خبأت فيه وضاحاً، ثم حفر حفرة في مجلسه ودفن الصندوق فيها، فمات وضاح مختنقاً داخل الصندوق.
ومن شعره في التشبيب بها قصيدته التي يقول فيها:
ترجّل وضَاح وأسبل بعدما
تكهّل حيناً في الكهول وما احتلمْ
وعُلّق بيضاء العوارض طفلةً
مُخَضّبَةَ الأطراف طيبةَ النَسَم
إذا قلت يوماً نوّليني تبسّمت
وقالت معاذَ الله من فِعل ما حَرُمْ
ـ 5 ـ
ابن الدُّمينة
اسمه عبد الله بن عبيد الله، والدُّمينة أُمّه وقد نُسب إليها، وهو ينتمي إلى قبيلة خثعم اليمانية، وهو شاعر غزلي من فحول شعراء العصر الإسلامي.
تذكر الأخبار أن رجلاً من بني سلول يقال له مزاحم كان يختلف إلى امرأة ابن الدمينة ويتحدث إليها، فعزم ابن الدمينة على قتله، فأرغم امرأته على أن تبعث إلى مزاحم وتواعده ليلاً في دارها، ففعلت وكمن له زوجها وصاحب له، وأعدّ له ثوباً فيه حصى، فلما حضر ضرب كبده بالثوب حتى قتله، ثم طرحه ميتاً خارج داره، فجاء أهله فاحتملوه وعرفوا أن قاتله هو ابن الدمينة.
وكان الهجاء قد لجّ قبل ذلك بين مزاحم وابن الدمينة، وقد تناول ابن الدمينة قبيلة سلول بكل سوء، فنقمت عليه لذلك.
وبعد مقتل مزاحم عاد ابن الدمينة إلى هجاء بني سلول، ومما قال فيهم:
قالوا هجتك سلولُ اللؤم مخفيةً
فاليومَ أهجو سلولاً لا أُخافيها
قالوا هجاك سلوليٌّ فقلت لهم
قد أنصف الصخرة الصمّاء راميها
رجالهم شرُّ من يمشي ونسوتُهم
شرّ البريّة .. ذلّ حاميها
ثم أتى ابن الدمينة امرأته فطرح على وجهها قَطيفة وجلس عليها حتى قتلها. وبعد مقتل مزاحم مضى أخو القتيل إلى الوالي أحمد بن إسماعيل فاستعداه على ابن الدمنية لقتله أخاه وهجائه قومه، فقبض الوالي على ابن الدمنية وزجّه في السجن.
ولما طال سجنه ولم يجد عليه أحمد بن إسماعيل سبيلاً ولا حُجّة أطلقه، ومع أن بني سلول قتلوا رجلاً من خثعم بواءً بقتيلهم لم يشتفوا منه لهجائه إياهم، وكانت أم القتيل لا تزال تحرّض أخا القتيل مصعباً على قتل ابن الدمنية وتقول له: اقتل ابن الدمنية، فإنه قتل أخاك، وهجا قومك، وذمّ أختك. فأخذ مصعب يتعقب ابن الدمنية، وسنحت له الفرصة حتى لقيه بتبالة، وهو في طريق حجه، فعلاه بسيفه حتى قتله.
ومن مشهور شعر ابن الدمنية في الغزل قصيدته التي يقول فيها:
ألا يا صَبا نجدٍ، متى هجت من نجد
فقد زادني مسراك وجداً على وجد
أ أن هتفت ورقاءُ في رونق الضحى
على فَنَن غضّ النبات من الرَّندِ
بكيتَ كما يبكي الحزينُ صبابةً
¥