الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعو
ا فلا يستجاب لكم)) رواه الإمام ابن ماجه في كتاب الفتن باب الأمر بالمعروف،
والنهي عن المنكر، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم 3251.
تنبيه:
لقد وجدت لمفتي مصر الدكتور علي جمعة في نفس المقال كلاماً يدل على أنَّه يقول:
" لابدَّ من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر " فدلَّ ذلك على أنَّه إنَّما قصد
تصرفات الإرهابيين.
قال المفتي بعد كلامٍ كثير: " وبهذه القواعد نشأت قاعدة التعايش حتى أنَّه لو اعتقد أحدنا
أنَّ شيئاً ما حرامٌ حتى لو كان متفقاً عليه كالعري والخمر؛ فإنّه يأمر بالمعروف، وينهى
عن المنكر، ولايُدمِّر، ولايُفجِّر، فما بالك بالمختلف فيه " اهـ.
وأقول ما ذكره المفتي هنا كلامٌ جيد أسأل الله أن يوفقنا وإيِّاه، وأن يلهمنا رشدنا، ويعيذنا
من شرِّ أنفسنا إلاَّ أنَّ ترك التدمير، والتفجير؛ ليس من أجل التعايش فحسب، ولكن من
أجل أنَّ الله عزَّ وجل لم يكلفنا بذلك لأمور:
1 - أنَّ الإتلاف لأموال المسلمين، والإزهاق لأرواحهم أو الإضرار بهم؛ كلُّ ذلك محرَّمٌ لايجوز
فعل شيءٍ منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إنَّ دمائكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم
حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلَّغت اللهم أشهد))
رواه البخاري، ومسلم.
2 - أن الأمر بالمعروف يشترط فيه أن يكون بمعروف؛ فإن حصل فيه تدمير أو تفجير أو تقتيل
كان نُكْرَه أعظم من المنكر؛ الذي يراد تغييره، وقد قيل:
ومن ينكر منكراً بأنكرا كغاسل الحيض ببولٍ أغيرا
3 - أنَّ الإنكار باليد كثيراً ما يؤدي إلى فتن بين الناس بحيث يتعصَّب لهذا أشخاصٌ، فيحاولون
ضرب المنكر أو الانتقام منه، فالأولى تركه، وليكن إنكار المنكر باللسان دون اليد أو تستعدي
الدولة على صاحب المنكر، فإنَّ استجابت الدولة، ونصرت الحق، وإلاَّ فقد برئت الذمة،
ولقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة ينكر عليهم عبادة الأصنام،
ويذم طريقتهم، ولم يكسِّر شيئاً من أصنامهم، فلمَّا دخلها فاتحاً جعل يطعنها بقوسه،
ويسقطها، ويقول: ? وقل جاء الحق وزهق الباطل إنَّ الباطل كان زهوقا [الإسراء: 81].
4 - أنَّ التدمير، والتفجير يترك؛ لأنَّ الله عزَّ وجل لم يأذن فيه؛ لأنَّ فيه إضراراً بالمجتمع
المسلم.
5 - أنَّ المجتمع الذي يعيش فيه هؤلاء المدمِّرون، والمفجرون تتحول حياتهم إلى جحيم،
فيسود فيهم الخوف، وقلة الأمن، ولا والله ما أراد الله من المجتمع المسلم أن يكون هكذا؛
بل أراد أن يشيع في المجتمع المسلم الأمن، والطمأنينة، والوداعة حتى يعبد الناس ربَّهم،
وهم آمنون.
6 - وأخيراً الذي أريد أن أقوله موضحاً للمفتي، ومبيناً له أنَّ قاعدة التعايش لايجوز أن نخضع
لها ديننا، فنترك تعاليمه أو بعضها؛ لنعايش غيرنا، فهذا لايجوز؛ بل الواجب علينا أن
نخضع جميع مصالح الدنيا للدين.
وأمَّا قوله: " أنَّ الصحابة كانوا أشاعرة " فهذا قولٌ باطل ليس له حظٌّ من الصحة، فأبو
الحسن الأشعري، ولد بعد أن مضت مائتا سنة من الهجرة؛ أي ولد في القرن الثالث،
ومضى معظم عمره في الاعتزال، ثمَّ تراجع عن مذهب المعتزلة، وأعلن مذهبه الأشعري،
ثمَّ رجع عنه، وأعلن توبته منه، وعاد إلى مذهب أهل السنة والجماعة؛ أهل الحديث.
فأين الصحابة، وأين مذهب أبي الحسن الأشعري؟ وما تلك إلاَّ فريةٌ افتراها هذا المفتي
إن صحَّ ذلك عنه.
فلو قدِّر أنَّ الأشعري وجد في عصر الصحابة بعد موت نبيهم، وموت الخلفاء الراشدين،
فهل يمكن أنَّ الصحابة يتركون ما جاء به نبيهم، ويتابعون الأشعري في آرائه؟ الجواب:
لا، وألف لا؛ وإن قال أنَّ مذهب الصحابة، وعقيدتهم وافقها الأشعري؛ فهل سيستطيع
أن يثبت أنَّ الصحابة كانوا يقولون في استوى استولى، ويقولون في الحديث المتفق عليه:
((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول:
من يدعوني فأستجيب له؛ من يسألني فأعطيه؛ من يستغفرني فأغفر له)) يقولون ينزل أمره،
وهل يمكن أنَّ الصحابة أوَّلوا اليدين في قوله تعالى: بل يداه مبسوطتان [المائدة: 64]
¥