ويقول يونس الصدفي: (ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ولقيته فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟!!.).
قال الذهبي معلقاً: (هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون). (سير أعلام النبلاء10/ 16 ــ 17)
وقال محمد بن أحمد الفنجار: (كان لابن سلام مصنفات في كل باب من العلم، وكان بينه وبين أبي حفص أحمد بن حفص الفقيه مودة وأخوة مع تخالفهما في المذهب). (سير أعلام النبلاء10/ 630).
وقد نقل عن كثير من السلف عدم الإنكار في مسائل الخلاف إذا كان للاجتهاد فيها مساغ.
يقول أحمد فيما يرويه عنه ابن مفلح: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب ولا يشدد عليهم.
وقال النووي: "ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً". (شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 24).
صلى الشافعي الصبح في مسجد أبي حنيفة فلم يقنت ولم يجهر ببسم الله تأدباً مع أبي حنيفة رحمهما الله. (طبقات الحنفية 1/ 433).
وكان يقول: (ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة). (سير أعلام النبلاء 14/ 40).
وفي واقعنا المعاصر، حدث خلاف بين علماء كبار كالشيخ ابن باز والشيخ الألباني رحمهما الله تعالى، في كثير من المسائل الفقهيية ك كحكم تارك الصلاة وإباحة الذهب المحلق وتغطية وجه المرأة والأخذ من اللحية ووضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع. ولكن لم يكن هذا الخلاف أبداً سبباً للتنافر بين هؤلاء العلماء الأجلاء أو ذريعة للقطيعة وعدم التعاون. بل كان كل واحد منهما يذكر الآخر بخير ويثني عليه
وهذه نصوصهم تنضح بتقدير كل واحد منهما للآخر:
يقول العلامة ابن باز رحمه الله في الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله: (لا أعلم تحت قبة الفلك في هذا العصر أعلم من الشيخ ناصر). (كوكبة من أئمة الهدى ومصابيح الدجى، للقريوتي 227).
وقال فيه أيضاً: (إن الشيخ معروف لدينا بحسن العقيدة والسيرة ومواصلة الدعوة إلى الله سبحانه، مع ما يبذله من الجهود المشكورة في العناية بالحديث الشريف .... ). (المصدر السابق 226)
وقال العلامة الألباني رحمه الله في مقدمة كتابه " الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد ": (أما بعد، فهذا كتاب الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد ألفته قبل أكثر من عشرين عاماً في دمشق الشام تنفيذاً لطلب كريم من أخ فاضل كريم وهو سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... وقال: وما ذاك الطلب من الشيخ ن وهذا الجواب مني بتوفيق ربنا، إلا صورة علمية مشرقة إنشاء الله تمثل حقيقة تعاون أهل الحديث ودعاة السنة على البر والتقوى وتواصيهم بالحق والصبر ... ). (مقدمة الذب الأحمد 5 بتصرف يسير).
ما أحوجنا إلى اتباع هدي هؤلاء العلماء الربانيين وجعل ذلك واقعاً عملياً نتعامل به ونحتكم إليه؛ لتصفو القلوب وتألف النفوس، وتجتمع الكلمة، وينتظم الجهد، ويذوب الجليد، ويحل الوئام محل التناقض والخصام.
* ــ مظاهر توحيد الجهود الدعوية:
ـــ إعداد استراتيجية للعمل الدعوي المشترك تحدد:
كيفية التعامل مع وسائل وأساليب الدعوة.
وكيفية تجنب الصدام والازدواجية.
ـــ توحيد الجهود الدعوية عبر الفضائيات: بإنشاءِ مكتبٍ لتنسيق الجهود الدعوية عبر الفضائيات السعودية والعربية لتلافي التضارب أو التباين في الطرح وتناقض الحلول المقترحة وتوفير الجهود وترتيب أوقات البث.
كثُرَت البرامج الدينية في الفضائيات وهذا أمر جيد من حيث العموم ولكن أموراً ربما تحول دون الاستفادة الكاملة من هذا العمل وتؤدي إلى تفويت الفرص المتاحة في الأوقات المهمة والحرجة وأهمها: التباين الواضح في قراءة الأحداث وتحديد أساليب الوصول إلى الحلول الصحيحة للمسألة التي يتم نقاشها عبر هذه البرامج مما يوقع المشاهدين في التشويش والحيرة.
فضلاً عن أن بعض هذه البرامج كثيراً ما تتشابه في طروحاتها وتنتهي إلى رؤية مختلفة أو لا تنتهي إلى شيء.
¥