تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المسلم بين طول الأمل وبغتة الأجل]

ـ[ابو البراء]ــــــــ[05 - 03 - 08, 12:25 م]ـ

[المسلم بين طول الأمل وبغتة الأجل]

بسم الله الرحمن الرحيم

" الأمل يلهي، والمطامع تغر، والعمر يمضي، والفرصة تضيع والأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان وهو يجري وراءه، وينشغل به ن و يستغرق فيه حتى يجاوز المنطقة الآمنة، وحتى يغفل عن الله، وعن القدر، وعن الأجل وحتى ينسى أن هنالك واجبا، وأن هنالك محظورا، بل حتى لينسى أن هنالك إلها، وأن هنالك موتا، وأن هنالك نشورا، وهذا هو الأمل القاتل " (1 (

وإلا فهو مطبوع في جميع بني آدم، ولولاه ما تهنى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا. وإنما المذموم منه الاسترسال فيه، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك لك يكلف بإزالته.

في صحيح البخاري (2) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال:" خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال: هذا الإنسان وهذا أجله محيط به -أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا "

" والمراد بالأعراض: الآفات العارضة له، فإن سلم من هذا لم يسلم من هذا، وإن سلم من الجميع ولم يصبه آفة من مرض، أو فقد مال، أو غير ذلك بغته الأجل. والحاصل أن من لم يمت بالسبب مات بالأجل " (3) تعددت الأسباب والموت واحد.

وفي الحديث إشارة إلى الحض على قصر الأمل، والاستعداد لبغتة الأجل، وعبر بالنهش وهو لدغ ذات السم مبالغة في الإصابة والإهلاك

والشاهد أن الإنسان تتجاوز آماله حدود أجله، و يخترمه أجله دون أمله، وقد أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى، فعن جابر بن زيد -رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أعواد، فغرس إلى جنبه واحدا ثم مشى قليلا، فغرس آخر ثم مشى قليلا، فغرس آخر ثم قال: هل تدرون ما هذا؟ هذا مثل ابن آدم، وأجله، وأمله، فنفسه تتوق إلى أمله، ويخترمه أجله دون أمله " (4)

والحق سبحانه وتعالى نعى على بني إسرائيل حرصهم على الحياة -أي حياة- وطول الأمل فيها، فقال:" ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون " البقرة 96

ود هؤلاء أن لو يعمر أحدهم ألف سنة - والمعنى طول المكث في الحياة - وذلك غير نافعه، كما أن إبليس لم ينفعه طول عمره إذ كان كافرا.

وقال تعالى:" الر تلك ءايات الكتاب وقرءان المبين (1) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين (2) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون (3) " الحجر 1_3

أي ذرهم يأكلوا و يتمتعوا و يلههم الأمل عن التوبة و الإنابة، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم.

وطول الأمل له سببان (5): أحدهما حب الدنيا، والآخر: الجهل

أما حب الدنيا: فهو أن الإنسان إذا أنس بها وبشهواتها ولذاتها و علائقها، ثقل على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من الفكر

في الموت الذي هو سبب مفارقتها، وكل من كره شيئا دفعه عن نفسه، والإنسان مشغول بالأماني الباطلة، فيمني نفسه أبدا بما يوافق مراده، وإنما يوافق مراده البقاء في الدنيا، فلا يزال يتوهمه ويقدره في نفسه، و يقدر توابع البقاء، وما يحتاج إليه من مال، وأهل، ودار، وأصدقاء، ودواب ..... و سائر أسباب الدنيا.

فيصير قلبه عاكفا على هذا الفكر موقوفا عليه، فيلهو عن ذكر الموت، فلا يقدر قربه، فإن خطر له في بعض الأحوال أمر الموت، والحاجة إلى الاستعداد له سوف، ووعد نفسه، وقال: الأيام بين يديك إلى أن تكبر، ثم تتوب، وإذا كبر فيقول: إلى أن تصير شيخا، فإذا صار شيخا قال: إلى أن تفرغ من بناء هذه الدار، وعمارة هذه الضيعة، أو ترجع من هذه السفرة، أو تفرغ من تدبير هذا الولد، وجهازه، وتدبير مسكن له ..... إلخ -أغلب الناس لو سألتهم عن سبب انهماكهم في الحياة الدنيا لقالوا: نؤمن مستقبل أولادنا. ومن يؤمن مستقبلهم هم؟! الإنسان تنتظره مخاوف عدة: من سكرات الموت، وضمة قبر، وسؤال ملكين، و عرض مقعد، وطول انتظار في أرض محشر، ودنو شمس، وإلجام عرق، وزفرة نار،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير