تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أخلاق نفتقدها]

ـ[بندر البليهي]ــــــــ[04 - 03 - 08, 10:06 م]ـ

الحمد لله المبتدئ بالإحسان، والمتفضِّل بلا نقصان، أحمده حمد الذاكرين، وأشكره شكر التوابين المستغفرين، والصَّلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، أهل الأخلاق والدين ..

أما بعد:

أيها الإخوة: إن من أهم مقاصد بعثة النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة هو تتميم مكارم الأخلاق، والدعوة إليها، فقد قال-صلى الله عليه وسلم- (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) (1).

والخلق الطيب هو أفضل ما يتزين به المسلم، ويتعبد الله به، فهو حلية أقواله وأعماله, وذخره في عاقبته ومآله.

قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- (عليك بطول الصمت، وحسن الخلق، فما تزَّينت الخلائق إلا بمثلهما) , وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم) (2).

ولئن كان هناك من الأخلاق ما يتطلب مجاهدة للنفس وصبراً على الضر، فإن الكثير منها هيّن على النفوس وشفاء لها ... بيد أن غفلة الناس عن تلك الأخلاق واقعة ... فيا طالب الفضائل، وقفة مع هذه الأخلاق النبيلة، أصحابها في أماكن رفيعة, من اتصف بها استحق أن يكون في مكان رفيع، عند الله-تعالى-، وفي قلوب الخلق. فيا ترى ما هي هذه الأخلاق النبيلة؟.

أولاً: العفو والسماحة:

إن خلق العفو والسماحة على سمو منزلته، وعلو مكانته عند الله وعند الخلق، إلا أنه يعد من الخصال الغائبة بين الناس، ولو تأمل المسلم ما يفوته من الأجر والخير بفوات هذا الخلق الجميل لتحسر على نفسه أسفاً!.

فالعفو باب من أبواب العز والنصر، كما قال النبي–صلى الله عليه وسلم- (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) (3) والسر في أن العفو من مفاتيح العزَّ هو أن الإحسان على درجات, وأثقل الإحسان على النفس هو نسيانها حقوقها، وتجاوزها عن مظالمها، وهذا لا يستطيعه إلا القليل من الناس، ومن المعلوم أن الله-جل َّوعلا- قد أخبر أنه مع المحسنين، وأخبر أن العافين عن الناس هم المحسنون. فقال-سبحان-: ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران: من الآية134)، وقال سبحانه: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت: من الآية69)، فمعية الله-سبحانه-بحسب إحسان المؤمن، ولّما كان العفو من أعلى درجات الإحسان فإن معية الله للمحسن تكون مناسبة لتلك الدرجة, ومعيته سبحانه للمؤمن هي معية علم وتأييد ونصر, وهي معية خاصة بالمؤمن دون سواه, بخلاف معية العلم التي تعم الخلائق كلها.

ومن هذا يتبين لنا أن العفو هو أوسع أبواب العز، وأقلها كلفة, وأسهلها على النفوس مقارنة بالأسباب الأخرى، ولذلك عدّ العلماء العفو هو حسن الخلق نفسه.

قال "شيخ الإسلام ابن تيمية"–رحمه الله-"وجماع الخلق الحسن مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام، والإكرام، والدعاء له والاستغفار، والثناء عليه، والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم, والمنفعة, والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم، أو مال، أو عرض، وبعض هذا واجب، وبعضه مستحب" (4).

ولا يتصور عفو إلا بكف الغضب, وكظم الغيظ، ولقد تقرر في السنَّة أن كف الغضب باب من أبواب الستر، كما قال–صلى الله عليه وسلم- (ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته) (5).

أخي الكريم: لا تظن أن العفو, وكف الغضب, وكظم الغيظ, سمة ضعف في الإنسان بل هو دليل الشدة, والقوة, وبعد النظر, والعقل, والحكمة, قال رسول الله–صلى الله عليه وسلم- (ليس الشديد بالصرُّعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) (6)

قال الشاعر:

وإن أكلوا لحمي وفرتُ لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

فما أجمل أن نرى أبناء الإسلام يتصفون بهذا الخلق الرفيع، فيتعاملون بالعفو، والصفح، والتجاوز عن الناس، متأسين برسول الله-صلى الله عليه وسلم-مقتدين بصحابته-رضوان الله عليهم-الذين ضربوا لنا أروع المواقف، وأنصع الأمثلة في أخلاقهم الرفيعة والعالية.

النصيحة والتواصي بالحق:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير