تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا تبدو تقديرات الموظف الحانق معزولة عن سياقها. فهو يشرح الأمر من زاوية التأثير النفسي، "خذ على سبيل المثال الترجمة العملية لعنوان "الهجوم على غزة"، وكيف يضعك في خانة السوبرمان (الرجل الخارق) القائم بهذا الهجوم، أنت تتعامل مع المساحة التي أمامك والتي اسمها قطاع غزة وكأنك في لعبة فيديو، تقوم بالضغط على الأزرار لتجد المناطق تتفجّر على الشاشة. هذا تماماً ما تفعله "العربية"، تأتي بالصور الدعائية الخرقاء التي يروِّجها الجيش الإسرائيلي، عن عملية استهداف قطاع غزة بالفيديو، وتنشرها العربية كلّ يوم. بالطبع عليك في لعبة الفيديو أن تأمل أن تصيب الهدف، وهكذا تستدعي الشعور ذاته في شاشة العربية: ها قد أصابت الهدف، ها هو يتفجّر. السؤال: أين المشهد الإنساني على الأرض؟! هل يساعد هذا الأسلوب المفضّل لدى القناة دون سواها من قنوات العرب على أي تعاطف مع الضحايا؟! ".

وفي سوق المصطلحات، تتمادى "العربية" في استدعاء المفردات الاستثنائية من قاموسها الخاص بالتحرير الإخباري. القنوات الأخرى تتحدّث عن نشاط المقاومة، فتتعدّد التعبيرات، مثل "المقاومة تتصدّى"، أو "المقاومة تخوض معارك"، أو "رجال المقاومة يشتبكون مع الجنود الإسرائيليين"، أو غير ذلك. لكنّ سياسة "العربية" تمنح الأولوية لوصف ذلك بمفردة "الاشتباكات".

"المطلوب أن نقطع الطريق على تعاطف الجمهور العربي مع ما يجري، هي مجرد "اشتباكات"، بين طرفين متكافئيْن، فهما "يشتبكان" .. "، كما يقول. في هذا السياق يأتي الموظف على أمثلة أخرى، "كما قلت لك، لا يجوز لنا أن نتحدث عن شهداء، نحن نتحدث عن قتلى ولو كانوا أطفالاً رضّعاً أو أمهات حبالى. ليس مسموحاً أن تقول عن هؤلاء الضحايا إنهم شهداء، هذا محظور في "العربية"، ولن تعثر ببساطة على كلمة شهيد سوى ما جاء على هيئة زلاّت ألسن المراسلين".

مَشاهِد ثمينة .. إلى سلّة المهملات!

يؤكِّد الموظف الحانق "لك أن تتخيّل حجم التقارير والمشاهد التي تمتنع القناة عن بثها. مشاهد يبعث بها المراسلون المعتمدون، وينتهي بها المطاف إلى هذا الأرشيف أو ذاك، أي لنقل: سلّة المُهملات عملياً. ليس مطلوباً ما يرفع الروح المعنوية، بل العكس إن توفّر. هذا أصبح معروفاً، ولذا فالمراسل أو المراسلة يمارس رقابة ذاتية ابتداءً، ورغم ذلك فعليه أن يتوقع التعامل مع المَشاهِد التي يبعث بها حسب معايير القصّ والتعليق التي تجري في المركز. ولك أن تتخيّل المفاجآت".

ويضيف الموظف "ما هو الحدث الذي يحرِّك الناس اليوم؟ غزة. ما هو الحدث الذي يحرِّك الجماهير في الشوارع؟ غزة. لكنّ القناة لم تكن تفضِّل على مدى أيام متعاقبة تغطية المظاهرات. لا تريد القناة تصوير الغضب الذي يتصاعد في كل مكان. بل في الأيام الأولى من الحرب كان يجري بثّ برامج وثائقية عن الأعاصير والكوارث الطبيعية وغير ذلك، مع تجاهل الإعصار الجاري في غزة، والكارثة المستمرّة هناك. الرسالة واضحة من تجاهل المشاهد المأساوية للفلسطينيين في غزة، فهو كما نقول No comment is a comment ( اللاتعليق هو تعليق) فالتجاهل الذي حاولت القناة أن تحافظ عليه في الأيام الثلاثة الأولى كان يحاول أن يصرف أنظار المشاهدين عن غزة، وإشعارهم أنّ الأمر ليس على تلك الدرجة من الأهمية التي تستدعي الغضب. لكنّ الواقع فرض نفسه في نهاية المطاف، واضطرت القناة للتراجع، رغم أنها مشغولة بشكل زائد بأسواق المال وأخبار كأس الخليج في مسقط. نحن نخسر المشاهدين بهذه الطريقة، وطبعاً نكسب اللعنات، مزيداً من اللعنات".

تراجع القناة اتضح من خلال إبراز تقرير يومي عن المعاناة الإنسانية في قطاع غزة، لكنّ هذا لا اعتراض جوهرياً عليه بالنسبة للإدارة. فالمطلوب إظهار الألم كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة لمشروع المقاومة. لكن ليس مطلوباً لفت الانتباه إلى صمود هؤلاء المتألمين في قطاع غزة، وثباتهم، وما يقولونه من عبارات الصبر والاحتساب وتوعّد الاحتلال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير