تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من طرائف صديقي أرسطو]

ـ[أبو القاسم الحائلي]ــــــــ[05 - 02 - 09, 12:24 م]ـ

[من طرائف صديقي أرسطو]

أحد أصدقائي القريبين جداً إلى نفسي بدأ مع حقبة الإنترنت يقرأ في المنتديات الفكرية، ثم لاحظ أنهم في حواراتهم يشيرون إلى كتب بعض العلمانيين العرب، فذهب واقتنى بعضها من مكتبة "التراثية" (مكتبة متخصصة في بيع الكتب العلمانية شمال الرياض) وقرأ في بعضها لكنه لم يواصل، وانصرف كلياً إلى التهام الروايات واحدة تلو الأخرى.

ثم تعرف صاحبي هذا على مجموعة من الشباب ممن استهوتهم ذات الموجة, وصاروا يجتمعون في مايسمونه "أمسيات فكرية"! ومن أطرف مافي أمسياتهم هذه مايمكن تسميته "وهم الحل" .. حيث يتصورون أنفسهم -وهم يناقشون كل شئ وينتقدون كل شئ- أنهم يملكون مفاتيح الحلول لكل المشكلات السياسية والاقتصادية والتقنية والاجتماعية في الوقت الذي أفلس فيه متخصصوا الشرق والغرب عن حلها!

المهم أن صديقي هذا تغيرت شخصيته جذرياً .. وصار كل حديثه -الذي يستغرق الساعات الطويلة- ليس فيه إلا مفردتين فقط (العقلانية والصحوية) وماتصرّف منهما .. فحديثه الطريف تتكرر فيه عبارات من نوع: العقلنة، والتعقلن، والمعقولية، واللاعقلانية، وماقبل العقل، ومابعد العقل، بالإضافة إلى الصحوية والصحونة والتصحون والخطاب الصحوي الخ الخ.

ومن الطريف أن صديقي هذا بيني وبينه من الانسجام والتآلف النفسي أكثر مما بين الشقيقين، وبيننا من التنافر والتضاد الفكري أكثر مما بين الغنوشي وابن عتيق! وقد أفلست كل اختلافاتنا الفكرية أن تصرم حبال المودة الشخصية بيننا .. فأصبحنا كقطارين متوازيين يسيران بجانب بعضهما لكن لكل منهما رحلته الخاصة ..

أعجب مافي أفكار صديقي هذا هو أن أفكاره لاتمت إلى العقلانية بصلة! بل لن أبالغ إن قلت أنه لم يقرأ في حياته كلها كتاباً منهجياً واحداً في فلسفة العقل وتحليل طبيعته وقوانينه الجوهرية وإشكالياته العلمية ذات الصلة! لكنه يعشق أن يقحم كلمة "العقل" وماتصرف منها بين فواصل حديثه.

ومن المعلوم في فلسفة العقل أن القانون الأزلي للعقل هو "عدم التناقض"، فمهما اختلف العقلاء حول إشكاليات العقل (مثل المثالية/الواقعية والاستقراء والسببية والقصدية وعلاقة الذهن بالمكونات الفيزيقية الخ)، فإنهم كلهم متفقون على أن "عدم التناقض" هو أرضية العقل الرئيسية وحجر الزاوية فيه.

ففلاسفة الشرق والغرب على مدار التاريخ يعتبرون "التناقض" حالة لاعقلانية، وهي نقيض العلم والمعرفة .. فلو جوّزنا "التناقض" لانهارت العلوم كلها .. ولذلك فلو أخذت عينة من "النقاشات العلمية" في شتى الفنون والمعارف، وحللت العمليات العقلية المجردة فيها بغض النظر عن موضوعها، فستجد الجزء الأكبر منها يقوم على هذه العملية العقلية وهي الاحتجاج في نقض النظريات الأخرى بالتناقض في تفسير المعطيات ..

ولذلك يستخدمها بعض فلاسفة الوضعية المنطقية تحت عنوان: الأمثلة المضادة " counterexamples"، فالمثال المضاد الذي يستخدم في دحض النظريات هو في جوهره يعمل على أساس مبدأ "عدم التناقض". وقد كان قدماء المناطقة يقولون الكلية السالبة تنقض بجزئية موجبة، والكلية الموجبة تنقض بجزئية سالبة، وهذا النقض في الحالتين هو في جوهره قائم على مبدأ "عدم التناقض".

المهم أن صديقي هذا المغرم بالعقلانية كل أفكاره وأحاديثه تناقض × تناقض، ويمكن لجلسائه أن يختلفوا حول أي شئ في شخصيته إلا في قدرته المذهلة على أن يقول الشئ ونقيضه في آن واحد! .. والمشكلة أنه يقول الشئ ونقيضه بنفس الحماسة والاندفاع في الطرفين، وفي نفس الجلسة!! ولايتفطن بتاتاً أن فكرته الأولى نقيض لفكرته الثانية .. ولذلك تحول إلى مادة دسمة للتريقة والضحكات والتعليقات الساخرة بين بقية الأصدقاء ..

ومع انتهاكه المستمر لأهم مبدأ في العقلانية، فإنه لايكف عن توجيه النصائح للآخرين بأن يهتموا بالعقل!

ونتيجة تناقضاته الطريفة والغزيرة هذه أطلق عليه أحد الأصدقاء لقب "مفكر أبوسيدين" [رايح جاي] .. وصديق آخر قال له: "ياخي لما أشوفك صاجّنا بالعقلانية وأنت أفكارك كلها متناقضة أتذكر نكتة الكفيف اللي راح يسجل في معهد للرماية! ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير