تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" الدِّيوان " قراءة في كتاب (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا

ـ[يوسف بن عواد البردي]ــــــــ[29 - 01 - 09, 07:48 م]ـ

" الدِّيوان " قراءةٌ في كتاب (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا)

للعلامة محمود بن محمد شاكر – رحمه الله تعالى -

بقلم: يوسف بن عواد البردي

(الحلْقةُ الأُولى)

بعد ستةِ قرونٍ من سقوط الإمبراطوريّة الرومانيّة، بدأت الحروبُ الصليبيَّةُ سنة 498هـ، في خلالها كان الإسلامُ قد ظهر بدينه وثقافته، وأنشأ حضارةً نبيلةً متماسكةً كاملةً ممتدةً من حدود الصين إلى الهند، إلى أقصى الأندلس، إلى قلب أفريقيَّة، وحصر النصرانيَّة في الشمال بعد أنْ أخرجها من الأرض، وظلَّ الصراعُ قائماً مدة خمسةِ قرون، بين النصرانية المحصورة في الشمال وبين الإسلام الذي يُتاخمها جنوباً، ولكنَّ جيوشَ النصرانية لم تستطعْ أن تفعل شيئاً يُذكر، مع تطاول الأمر.

وتدبر الأمرَ قادةُ النصرانية – وهم رجالُ الكنيسة وملوكُ الإقطاع – فرأوا أن يتَّجهوا إلى الشمال ليُدخِلُوا في النصرانية الهمجَ ممن لا دين له يَجمعُه، ليكون بعد قليل مدداً لجيوشٍ جرارةٍ تُطبقُ على ثغورِ العالَمِ الإسلامي في الشام ومصرَ بعد خوض المعركة الكبرى بين النصرانيةِ والإسلام.

وكان جزءاً من هذا الإعداد: تبشيع (الإسلام) في عيونهم، وأنَّ أهلَ الإسلامِ وثنيون، وأنَّ رسول الإسلام كان .. وكان، حاشاه (صلى الله عليه وسلم)، فلم يتركوا باباً من الكذب والتمويهِ إلا دخلوه، ليُقرُّوا معانيَه في قرارة نفوس أتباعِهم.

بدأت (الحرب الصليبية) واكتسحتْ في طريقها أهلَ النصرانية وسفحت دماءَهم بفظاظة، وبدأت تكتسحُ ثغورَ الإسلام وعواصمَه الشمالية وتسفحُ الدماء المسلمة، واستمرت هذه الحرب قائمة قرنين كاملين، كانت فرحةً رائعةً، ولكنها انتهت سنة 690هـ بالإخفاق واليأس من حرب السلاح، وكانت حسرةً وغصةً في قلوب الرُهبان والملوك والمثقفين.

بطل عملُ السلاحِ بالإخفاق واليأس، وخمدتْ الحروبُ بين الإسلامِ و النصرانيّة نحو قرنٍ ونصفِ قرنٍ من الزمان، ثم وقعتْ الواقعة - التي لم تخطر على بال النصارى -، ففي يوم الثلاثاء 20 من جمادي الأولى سنة 857 هـ، سقطت القسطنطينيةُ عاصمةُ المسيحيّة، ودخلها " محمد الفاتح " – رحمه الله تعالى – بالتكبير والتهليل، وارتفع الأذانُ في طرف أوربّةَ الشرقيّة، وصلّى المسلمونَ العصرَ في كنيسة " آيا صوفيا "، اهتز العالمُ الأوربيُّ كلُّه هزةً عنيفةً ممزوجةً بالخزي والخوف والرعْب والغضب والحقْد، ولكنْ قارنَ ذلك إصرارٌ مستميتٌ على دفع هذا الخزي وإماطةِ هذا الخوف والرعْب، ومن يومئذٍ بدأت أوربّةُ تتغيّرُ بهمة ٍ لا تفترُ ولا تعرفُ الكلل!.

بدأ الرهبانُ وتلاميذُهم معركةً أخرى، أقسى من معارك الحرب، معركةَ المعرفةِ والعلمِ الذي هيَّأ للمسلمين ما هيَّأَ من أسباب الظَّفَرِ والغَلبة .. فقد كان بيَّناً لعقلائهم أنَّ سرَّ قوةِ الحضارة الإسلامية هو العلمُ، علمُ الدنيا وعلمُ الآخرة، وهو (الدين) المقنعُ لجماهير البشر، فهم يدخلونَه طوعاً واختياراً، وعلمُ الدنيا هو الذي مكَّن لهذه الحضارةَ الإسلامية أنْ تمتلك هذه القوةَ الهائلةَ المتماسكةَ التي شعروا أنها مستعصية ٌ على الاختراق.

تمضي الأيامُ والسنونُ وتتطاول ... ، وأوربّّةُ بأسرها لا تنامُ إلّا على فراش من الرمضاء اللاذعة، لا يدعُ لجنبٍ ساعةً من طُمأنينة، زاد التصميمُ على المقاومة!!، ورسختْ في العظام الحيّةِ لا في النفوس وحدَها ولا في العقول بغضاءُ ساريةٌ مشتعلةٌ للفْظ (المسلمين)، لا تزدادُ على مرِّ الأَيَّام إلّا توهجاً وانتشاراً، ونزلتْ هذه البغضاءُ من النُّفوس منزلةَ (الدِّين) الراسخ في أعماق الفطرة، وبدأت اليقظةُ ذاتُ الهدفِ الواحدِ الذي لا يغفلُ عنه راهبٌ ولا عالمٌ، ولا صغيرٌ ولا كبير، ولا عاميٌّ ولا متعلم، ولا رجلٌ ولا امرأة , وبدأ التجمُّعُ لإعداد أمةٍ مسيحيِّةٍ قادرةٍ على دفع رعْب المسلمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير