تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رعاية المسنين في الإسلام]

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[01 - 02 - 09, 11:32 ص]ـ

[رعاية المسنين في الإسلام]

مصطفى محمد ياسين

مقالات للكاتب ( http://www.alukah.net/articles/1/authorarticles.aspx?authorid=1113)

مقالات ذات صلة ( http://www.alukah.net/articles/1/4961.aspx#relatedArticles)

تاريخ الإضافة: 29/ 1/1430 هجري 26/ 01/2009 ميلادي

هكذا رأى عمر بن الخطاب:

يَنفِرُ كلاب بن أمية الكناني إلى الجهاد، في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وتطول غيبته، مرابطًا في الثغور، ومجاهدًا في سبيل الله، ويفتقده أبوه الشيخ، ويصل نهاره بليله باكيًا؛ شوقًا لابنه، ورغبة في لقائه، ويصل خبر هذا الشوق العارم إلى مسامع أمير المؤمنين.

ويأمر الخليفة من فوره، بكتاب إلى أمير الجيش: أنْ أنفذ إليَّ كلابَ بن أمية، على جناح السرعة.

ويركب كلاب راحلتَه إلى المدينة، ملبيًا نداء أمير المؤمنين، والهواجس تعتمل في صدره، فالفاروق هو من يطلبه، الرجل الذي عُرِف بقوته في الحق، وصرامته في المحاسبة، وإنفاذه للعقوبة، حتى على أقرب الناس إليه.

وينيخ كلابٌ راحلتَه على باب أمير المؤمنين، ويسلِّم عليه، فيبتسم له ابن الخطاب، ويخفف عنه وعثاء السفر، ويأمره أن يستريح عنده في بيته، حتى يسفر صباح الغد.

وفي يومه التالي، يستدعيه الخليفة إلى مجلسه، ويتخذ الضيف مكانه، ويبادره الفاروق:

يا كلاب، ما بلغ برُّك بأبيك؟

وتنفرج أسارير الرجل، ويأخذ نفَسًا عميقًا، وراح يتدفق: "كنتُ - يا أمير المؤمنين - أتخير له أسمن الإبل وأريحها، ثم أغسل ضرعها، حتى إذا جفَّ، ملأتُ له الإناء، فيأخذه ويشرب حتى يرتوي، ثم يحمد الله على نعمائه".

هذه صورة حفظها التاريخ من صور برِّ الأبناء بالآباء، ما أروعَها وأغناها من صورة بالمعاني والعبر والعظات!

ويرسل الخليفة العادل في طلب الأب (أمية الكناني)، ويراه شيخًا ضعيفًا كليل البصر، فيرحب به ويترفق في محادثته، ويسأله:

- كيف أنت يا أبا كلاب؟

- كما ترى يا أمير المؤمنين.

ويأخذ ابن الخطاب الإناء، ويناوله للأب الوالِه، ويقول له: اشرب، وعندما وضع الأب الإناء على فيه، قال: "والله إني لأشم رائحة كلاب فيه! ".

قال له عمر: نعم، إنه كلاب.

وقفز كلاب، يعانق أباه.

"وأمر الخليفة كلابًا أن يلتزم أباه، ويرعاه ويقضي حقَّه، ويعتني به ما دام حيًّا، وجعل له راتبًا يتقاضاه من بيت المال، كما يأخذ المجاهد المرابط على الثغور".

هذه الواقعة تستحق التدبر والدراسة، واستخلاص الدروس والعبر منها.

للفلسفة الأخلاقية مرجعيتان:

- دينية إسلامية.

- وإنسانية، مستمدة من النظر العقلي السليم، الذي تواضعت عليه حكمة الإنسان، في مسيرته الحضارية، وأصبحت قيمًا تتفق فيها الشعوب على اختلافها؛ كالصدق، والعون، والنجدة، والإيثار، وغيرها كثير.

لكن الفلسفة الأخلاقية في الإسلام تمتاز بأنها تديُّن وعبادة، تجيء إذعانًا لأمر الله، وطلبًا لمرضاته، إلى جانب اتفاقها وتفوُّقها على النظر الإنساني.

إنها طاعة لأمر الله - سبحانه وتعالى - إلى جانب استقامتها مع القيم الإنسانية، هذه الطاعة التي يثاب الإنسان عليها.

ويحتل الوالدان في الإسلام مكانًا مرموقًا، يشيع فيه التوقير، والإجلال، والاحترام، وخاصة عندما يكبران في السن، وتتداعى عليهما العلل والأمراض.

إن تعاليم الإسلام التي تأمر بمعاملة الوالدين معاملةً تليق بهما، لا تُعلِّق ذلك على شرط، وإنما تطلقها وترسلها، حتى لا يجد منهما المرء مهربًا يلوذ به؛ ذلك أن علاقة الأبوة تعمل في اتجاه واحد فقط، من الأب إلى الابن.

ومن هنا كان لا حاجة بنا أن نوصي الأب أو الأم بإحسان معاملة الابن، فقد تكفلت بذلك غريزة الأبوة التي أودعها الله - تبارك وتعالى- في الطبع البشري، ونادرًا ما يتطرق الخلل إلى هذه العلاقة، وإنما الخلل يأخذ طريقه في العلاقة العكسية لتلك، من الابن إلى الأب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير