تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهكذا جاءت تعاليم الدين الإسلامي قاطعةَ الدلالة، صارمة، توصي بالوالدين؛ يقول الله - تعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24].

وإمعان النظر في هاتين الآيتين الكريمتين يقودنا إلى ما يلي:

قُرنتْ عبادة الله، وإفراده بها، بالإحسان للوالدين، والإحسان كلمة جامعة لكل أفعال الخير، ثم يوصي بهما إذا كبِرا في السن، وكِبرُ السن يقود إلى اضمحلال القوة البدنية، وضعف الحواس، أو فقدان بعضها، وعدم القدرة على أداء ما كانا يفعلانه قبل ذلك، وإصابة النفس بالأمراض كما يصاب الجسد، وكل ذلك - أو بعضه - يوجب رعاية هذا المسن، والعناية الفائقة به، واحتمال التعب والنصب في ذلك، وعدم التبرم به، فلا يقول: (أف)، ولا يغلظ لهما في القول، أو الأمر والنهي؛ بل عليك - أيها الابن البار - أن تقول قولاً كريمًا، وتذلل لهما من نفسك، وتدعو لهما بالرحمة وأن يخفف الله عنهما، كما صبرا على تربيتك صغيرًا.

ويطَّرد الأمر في السنة النبوية:

ففي الحديث الشريف نجد ما يوصي بالوالدين، ويحضُّ على طاعتهما وبرِّهما أحياء وأمواتًا.

عن أبي بكرة نفيع بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) - ثلاثًا - قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)).

وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله - تعالى - حرَّم عليكم عقوق الأمهات)).

وعن أنس - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أراد أن يُبْسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليَصِلْ رحمَه))، فإذا كانت صلة الرحم - عامةً - مجلبةً للرزق وطول العمر، فكيف ببر الوالدين، والعناية بهما؛ طاعةً لأمر الله؟!

وقد أخبر رسول الله أصحابَه عن رجل يأتي في أمداد أهل اليمن: ((لو أقسم على الله لأبرَّه)) يُدْعى: أويس القرني، مستجاب الدعاء، أتدرون ما سر هذه الكرامة الإلهية؟ ((لقد كان بارًّا بأمه) أي: مطيعًا لها، ويبالغ في الإحسان إليها.

تلك بعض تعاليم الإسلام التي تتعلق بالوالدين، توجب لهما الطاعة، وتحرِّم عقوقهما، وتجعل منه صِنْوَ الإشراك بالله، ذلك الذنب العظيم الذي لا يغفره الله، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

كيف تنشأ مشكلة المسن في المجتمع؟

هل تنشأ مشكلة المسن من ضيق المكان في بيت الأسرة، أو من عدم القدرة على التفرغ لرعايته، أو من الضيق بحالته، أو من رفض زوجة الابن القيامَ بدور في رعاية هذا المسن، أو ارتفاع تكلفة علاجه ورعايته، أو من ذلك كله؟

في تقديري المتواضع أن المشكلة - في أكثرها -: ضيق في الصدر.

فزوجة الابن في أكثر الحالات المشاهَدة هي التي تضيق بالأم أو الأب المسن، وتغري زوجها بإبعاد المسن عن المنزل إلى دور رعاية المسنين، وهذا الضعف والانقياد إلى رغبة الزوجة هو انحراف ونكوص عن أداء الواجب نحو الوالدين، من الابن صاحب المسؤولية في ذلك، ولا شك أن هذا السلوك هو ضعف في الشخصية، وضعف في التَّدَيُّن.

والمسن يحتاج إلى عناية جسدية ونفسية أيضًا، وحرمانه من الاهتمام به وإهماله يؤلمه ويفاقم مشاكله النفسية والبدنية، إلى جانب ما به من أمراض وآلام تجلبها الشيخوخة بطبعها.

وعلى الابن أن يقاوم الضغوط، ويحتفظ بوالده أو والدته تحت إشرافه، و ((ليجاهد فيهما))؛ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن جاءه يستأذنه في الجهاد في سبيل الله.

إنه دور الابن المنوط به، وعليه أن يحتمله في شجاعة، فتلك سُنة من سنن الحياة، كلنا قد نصل إليها، ونرى في ذلك الوقت ما قدمناه لوالدينا على أيدي أبنائنا.

ذاك في الحالة التي لا يحتاج فيها المسن إلى مستشفى يعالجه، أما مجرد الإقامة، فإن انتقاله إلى دار المسنين يؤلمه ويؤذيه، ويشعره بخسارة فادحة في جهده الذي بذله في تربية أولاده، وتتحلب المرارة تحلبًا في فمه.

دور الدولة والمجتمع في رعاية المسن:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير