تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا فرق بين رأي مالك وأبي حنيفة ورأي الاوزاعي ورأي سفيان ورأي ابن أبي ليلى، ورأي ابن شبرمة، ورأي الحسن بن حي، ورأي عثمان البتي، ورأي الليث، وكل ذلك رأي، لا فضل لبعضه على بعض، وكل هؤلاء مجتهد مأجور، وكل من قلّد واحداً منهم مخطئ ملوّم غير معذور.

فإذ هذه صفة الرأي بإجماع الأمة كلها، وإنما هو حكم بالظن، وتخرّص في الدين، فليس يستحق المكثُر منه ومن القول به صفة العلم؛ لأنه ليس علماً، ولا حفظه من العلم بسبيل، وإنما هو اشتغال بالباطل عن الحق، وباب من كسب المال، ووجة من التسوّق والترؤس على الجيران، وعند الحكام فقط، وصناعة من صناعات المتأجِّر، وقد خاب وخسر من جعل هذا عُرضة من دينه، نعوذ بالله من الخذلان.

وإنما العلم ما ذكرنا من المعرفة بأحكام القرآن، وما صح عن رسول الله ص، ومعرفة ثقات الناقلين للسنن، وما أجمع عليه المسلمون، وما اختلفوا فيه، فهذا هو العلم، وحامله هو العالم لا ما سوى ذلك.

وأعلى الناس منزلة في العلم فالصحابة رضي الله عنهم، فإن الصاحب ولو لم يكن عنده إلا حديث واحد أخذه عن رسول الله ص فهو عند ذلك الصاحب حق يقين من عند الله تعالى؛ لأنه أخذه ممن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وممن لا يخطئ في شيء من الديانة أصلاً، فهو عند ذلك الصاحب كالقرآن في صحة وروده من عند الله عز وجل في وجوب الطاعة له، ثم التابعون، فإنهم أخذوا السنن التي هي العلم عمن شهد الله له بالعدالة كلهم، إذ يقول الله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا} إلى قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً} الفتح آية 29، وقال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلاً وعد الله الحسنى} الحديد آية 10، وقال تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} الأنبياء آية 101 ن إلى قوله تعالى: {هذا يومكن الذي كنتم توعدون} الأنبياء آية 103، وقال تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة، فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريباً} الفتح آية 18.

قال أبو محمد رحمه الله: فمن أخذ العلم عمن شهد الله تعالى لهم بالجنة قطعاً وبالعدالة، وبأنه تعالى رضي عنهم، وعلم الله ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم، فقد صحت لهم العصمة من تعمد الفسوق، إذ لا يجتمع الفسوق والسكينة في قلب واحد، فهو أعلى درجة في العلم وأثبت قدماً فيه، وأولى باسمه، فمن أخذه من بعدهم ممن لا يقطعون له بالعدالة، ولا بصحة غيبه، ولا بعدالته عند الله عز وجل، ولا يَتنُ عن معتقده ممن ليس فيه إلا حسن الظن به فقط، والله أعلم بباطنه، وهذه صفة التابعين وكل من دونهم، فلا يجوز أن يكون أعلم من صاحب بوجه من الوجوه.

وجائز أن يكون أعلم من تابع؛ لأن التابع لا يقطع بصدقه، ولا بصحة نقله، ولا بعدالته عند الله عز وجل، كما نقطع نحن وهم بعدالة الصاحب عند لله عز وجل وبصدقه؛ لأن العدل عند الله لا يكون إلا صادقاً بلا شك، لا سيما مع قوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم} إلى قوله عز وجل: {إنك رؤوف رحيم} الحشر آية 8 - 10، فشهد الله لهم بالصدق والفلاح.

قال أبو محمد رحمه الله: فهذه درجة العلم، وإذ معنى العلم هو ما ذكرنا ضرورة أن يكون أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن عن رسول الله ص، وأضبطهم لها، وأذكرهم لمعانيها، وأدراهم بصحتها، وبما أجمع عليه مما اختلفوا فيه.

وما نعلم هذه الصفة بعد الصحابة رضي الله عنهم أتم منها في محمد بن نصر المروزي، فلو قال قائل: إنه ليس لرسول الله ص حديث ولا لأصحابه إلا وهو عند محمد بن نصر ما بَعُد عن الصدق.))

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير