إن من أدنى آثار الفضائيات - التي يشترك فيها مشاهدوها جميعهم؛ برهم وفاجرهم؛ وهي من أعظم الأضرار على الدين في الوقت نفسه - ضرر التعوّد!! .. فالتعوّد على رؤية ما لم يكن يرى، وسماع ما لم يكن يسمع - حتى لو لم يجلس لمتابعته - يضعف في قلبه - بمرور الزمن - الغَيرةَ على الدين، والحماسة لتغيير المنكر .. وربما كرّس في نفسه اليأس من الإصلاح، والزهد فيه!! .. وهذا من الخطورة على المتدينين بمكان!! .. وما أظن من ينكر حصول التعوّد إلا دافنا رأسه في الرمال؛ فكل المشاهدين واقعون في حبائله؛ غير أن منهم مستقلا، ومستكثرا، كما أن المنكرات تتفاوت بدءا من الفاصل الموسيقي في النشرات الإخبارية؛ وصولا - ولا أقول انتهاءا - إلى ما يعف عنه القلم، ويحتبس عنه المداد!! .. إن هذا الأثر هو تدمير للجهاز المناعي للمسلم ضد المنكرات ..
إن من آثار الفضائيات على المتدينين أيضا أثرا لا يتنازع فيه اثنان؛ ومع ذلك يستهان به .. إنه الأثر الذي يبدأ به الشيطان (مشواره الفني)!! .. ألا وهو (التعرف على أنواع من الشر في شتى صوره وأشكاله، وعلى نماذج تفصيلية للانحراف الديني والخُلُقي؛ قد تُعرض في غلاف النقد، وتشاهد في جوّ من الاستياء، أو يُعرض عنها في اشمئزاز مصحوب بالاستعاذة والحوقلة) .. ثم ماذا؟! .. تبقى ثقافة الجريمة، وفلسفة الانحراف رواسب في الأذهان – دون مقارفة – تُلوّث الفطرة، وتخدش البراءة، وتسلب الغفلة المحمودة، المذكورة في مثل قول البارئ جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور:23)!! ..
إن الاطلاع على حال العصاة والمجرمين، وما بلغوا في الفساد والانحراف يهوّن على المطّلع شأن الذنوب والمعاصي، ويحقرها في عينه!! ..
وفي مقابل ذلك فإن الغفلة عن سبل المعاصي وأشكالها، وعدم تصوّرها هما أول حاجز عنها، وأقوى مانع من غشيانها!! .. إن هند بنت عتبة لم تتصوّر وقوع الزنا من الحرائر؛ فكان سؤالها الاستنكاري ساعة البيعة: (أو تزني الحرة؟!!) ..
الأثر الثالث من آثار الفضائيات على المتدينين: اختلاف زاوية النظر، بل انحرافها؛ وفقدان الحياد؛ أعني بذلك أن الواحد من الناس يكون مُقرّا بخطر الفضائيات، مُعترفا بضررها؛ بل قد يكون حربا عليها؛ فإذا اقتناها هو نفسه يوما من الأيام لسبب أو لآخر - ولو مُكرها - فإن نظرته تتأثر؛ فتراه يتحدث عن المصالح والإيجابيات؛ ويتحاشى الحديث عن الأضرار والسلبيات .. وإن ذكرها فبذكر عابر، أو طرقها فبطرق فاتر .. وقد يضيق صدره؛ ولا ينطلق لسانه عندما يسمع الفتاوى المصرّحة بالتحريم، والمحذرة من الخطر الوخيم!! .. ومن كان في هذه الحالة فلن تعجبه هذه المقالة!.
إن هذه الآثار الثلاثة قد تبدو هينة؛ غير ذات بال .. إلا أن أهميتها، وخطورتها ناشئة من أمرين:
أحدهما حتمية تأثر المتدينين من مشاهدي الفضائيات بها؛ بينما هم يظنون أنهم بانتقائيتهم، وحرصهم سالمون، غانمون؛ وهم في الحقيقة غارمون .. ويحسبون أنهم على ساحل السلامة؛ وهم في لُجّة مخوفة.
الأمر الثاني أن هذه الآثار ذرائع إلى ما هو أشد، ووسائل إلى ما هو أخطر .. وإنما هي خطوة في درب موحش، ومرحلة في سبيل غير محمودة العاقبة!.
وليست هذه هي كل الآثار على المتدينين؛ فهناك مثلا أثر مشاهدة القُصّر في البيت للقنوات عند غياب الرقابة؛ وما يتبع ذلك من تدمير الأخلاق، ونسف التربية!! ..
وهناك كذلك أثر القدوة السلبية التي تتمثل في اقتداء الآخرين بهؤلاء المُبتلين، وتأسّيهم بهم؛ فكيف تمنع من اقتناء الأطباق وقد اقتناها فلان وفلان من الصالحين؟! ..
وهناك أيضا أثر تضييع الأوقات، واستغراق الأعمار في ما هي أغلى منه، إلى آخر ما هنالك.
أما سائر الآثار التي تساق، والأضرار التي تذكر في العادة فيقع فيها غالبا أولئك الذين ليس لهم دين وازع، ولا ضمير ممانع؛ فيتلقفون في شراهة كل ما تتقيؤه الفضائيات!؛ لسان حالهم وهم عليها عكوف!: وجهت وجهي إليك .. وأسلمت نفسي إليك .. وفوضت أمري إليك!! .. فليست هذه السطور موجهة إليهم، ولا مؤثرة عليهم. أسأل الله العافية من كل بلاء، والسلامة من كل داء، والعصمة من الغواية، وسلوك سبيل الهداية .. وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
¥