تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولولا أن القرائن المعتادة تقوم مقام التصريح في هذه الأمور لما صلح حال الناس ولما استطاع بعضهم أن يفهم مراد بعض، كما لو قلت لولدك مثلا: (ماء)، فإنه يفهم بحسب القرائن أنك تريد كوبا من الماء لكي تشربه، أما إذا كنت تسير معه في الطريق مثلا وقلت: (ماء) وأمسكت به بسرعة وجذبته للخلف، فإنه يفهم بحسب القرائن أنك تريد منه الاحتراز من وقوعه في الماء أو وقوع الماء عليه.

وهذه القرائن والأحوال إنما فهمت بحسب العادة والعرف، وهذه الأمور تختلف من عصر لعصر، فقد يكون مثلا في بلد من البلدان أن قول بعضهم لبعض: (ماء) معناه مشروب معين يصنع بطريقة معينة.

ولذلك تجد أكثر أخطاء المحققين لكتب أهل العلم سببها أنهم يجرون أعرافنا المعاصرة على كلام هؤلاء، فيجعلون البعيد قريبا والمحال واجبا واللازم محالا!!

وأنصح إخواني في الله أن يجربوا هذا الأمر، وذلك بأن تقصر نفسك على قراءة كتب أحد أهل العلم مدة معينة من الزمن، حتى تحيط بجملة وافرة منها، ثم انظر بعد ذلك هل يكون استيعابك للكلام أكبر وفهمك لما بين السطور أكثر حتى تكاد في بعض الأحيان تعرف ماذا سيقول في السطر القادم قبل أن تقرأه!!

وقد سمعنا عن كثير من العلماء والشعراء والأدباء كان أحدهم يسمع شطر البيت فيذكر الشطر الثاني من غير أن يكون قد سبق له سماعه!! فإذا سئل: من أين عرفته؟ قال: هذا ما ينبغي أن يقال، أو نحو ذلك.

وكثيرا ما كنت أحضر بعض المناقشات فأجد كلا من الطرفين يدعي أن فهمه هو المتبادر!! وأن الصواب حمل الكلام على الفهم المتبادر!!

فنقول: هذا صحيح، ولكن المتبادر عند من؟! ليس عندي ولا عندك، وإنما عند أهل اللسان، عند السلف الذين عاينوا الأحوال وتشربوا القرائن التي هي الأساس في هذا الذي تدعي أنه (المتبادر).

فإذا كنت قد نظرت وقرأت وأكثرت من الاطلاع على كلام هؤلاء حتى صارت لك فيه ملكة، فحينئذ يكون المتبادر عندك قريبا من المتبادر عندهم، أما بخلاف ذلك فلا وألف لا!!

ولذلك نجد أبعد الناس عن صحة الفهم - فهم كلام السلف - من يقصر علمه ويقضي عمره في النظر في كتب بعض المتأخرين حتى يكون كلام السلف عنده أشبه باللغة الأعجمية!

أسأل الله سبحانه أن يمدنا بمدد من عنده، وأن يرزقنا حسن الفهم، وصحة العلم، وصواب العمل.

إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

ـ[محمد العبادي]ــــــــ[18 Feb 2008, 06:14 م]ـ

جزاك الله خيرا ..

وسددك ..

وزادك علما وحكمة ..

وثبت قلبك على دينه.

قرأت مقالاتك وانتفعت بها ..

فأسأل الله أن يغفر لك ويتوب عليك.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[12 Jul 2010, 12:47 م]ـ

آمين وإياك يا أخي الكريم

ومن هذا الباب ما تسمعه كثيرا من طلبة العلم: (ما الدليل؟) (أعطني دليلا) (هذا ليس بدليل) ... إلخ في أمور مفروغ منها عند العلماء.

ويظن المسكين أن مثل هذا الكلام يصلح حجة لإبطال الدليل.

والحقيقة التي تظهر بأدنى تأمل أن هذا الدليل لا إشكال فيه على الإطلاق، وإنما الإشكال في عقله الذي لم يقدر على استيعاب دلالة الدليل؛ فيكون مثله كمثل رجل اشترى ثوبا فوجده واسعا فقال: هذا الثوب غير يصلح.

نعم هو غير صالح لك أنت، لكنه يصلح لغيرك ممن يقدر على فهمه.

ـ[محمد قاسم اليعربي]ــــــــ[12 Jul 2010, 01:45 م]ـ

مقال مفيد

كلام سديد

رأي فريد

جزيتم خيرا

ووفقكم الله إلى كل خير

فإن قيل:ما بالنا تأخرنا عن غيرنا مع أننا كنا نحن المتقدمون؟

فالجواب: لأننا أصبحنا لا نقرأ

وإذا قرأنا لا نفهم

وإذا فهمنا لا نعمل

وإذا عملنا لا نتقن

ولا حول ولا قوة إلا بالله

ـ[محمد نصيف]ــــــــ[12 Jul 2010, 01:59 م]ـ

مقالة رائعة حقاً، ولعل مما يضاف هنا -ولعله ذُكر ضمن الكلام ولم أتنبه له- أن غياب التأصيل العلمي الصحيح هو من أكبر اسباب سوء فهم كلام العلماء، وكلما اقتربت أكثر من معارف الإمام والعلوم التي تشربها كلما فهمته أكثر، أما إذا كنت بعيدا عن العلوم التي ينطلق منها العالم وكان يوظف تلك العلوم دون تنصيص فإنك لن تفهمه أبداً، وستظن في الوقت نفسه أنك فهمته جيداً لأنه لم ينص على أي مصطلح تجهله، وسأضرب بعض الأمثلة لأهميتها في ظني - وأرجو أن يأخذها الإخوة دون حساسية إذا الهدف التناصح -:

المثال الأول: كان البقاعي رحمه الله في تفسيره " نظم الدرر " يوظف القواعد البلاغية بإشارات سريعة دون أن ينص على أكثرها، ويكون كلامه مفهوماً جداً لكل من لا يعرف البلاغة أصلاً وهو في حقيقة الأمر لم يفهم مراد البقاعي أبدأ، وقد مرت بي مواقف مع هذا السفر النفيس عجز فيها بعض طلاب العلم عن فهم كلامه دون أن يشعروا بعجزهم وكانوا يظنون أنه كلام عادي مفهوم ولم يتنبهوا لأي إشارة بلاغية فيه رغم كثرتها، وكان ذلك لأحد سببين:

أ/ شخص لا يعرف البلاغة، وهذا السبب أكثر انتشاراً.

ب/ شخص لم يعتد على أسلوب البقاعي، وهذا لا يحتاج إلا لتنبيه يسير.

المثال الثاني: كان ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه في الرد على الفلاسفة ونحوهم يبني كلامه على المنطق وعلم الكلام، ويقرأ كلامه فئام من الناس -ما بين علماء وطلاب علم ومثقفين - لا معرفة لهم بالمنطق أصلاً، ويظنون أنهم فهموا كلامه، لأنه -كما قلت من قبل - لم ينص على المصطلحات.

المثال الثالث: انطلق ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين من منطلقات صوفية، فصار من يقرأ الكتاب ممن لا يعرف مصطلحات القوم - وهم كثيرون - أحد رجلين:

1/ يعجبه الكتاب دون أن يفهم بعده الصوفي.

2/ ينقد الكتاب ويقول: "ليت ابن القيم لم يكتبه" رغم أنه كصاحبه لم يفهمه.

هذا وإن فهم كلام أهل العلم -على وجهه - من أعظم السبل لعذرهم في اجتهادهم والتأدب معهم، وأخيراً فإن التجرد للحق في فهم كلام العلماء لا يكفي بدون ما أشرت إليه من التأصيل العلمي الذي يعد غيابه من أكبر ما ابتلينا به في هذا الزمان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير