تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

((أيحب أحدكم أنْ يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) أي: كما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا ذاك شرعاً؛ فإنَّ عقوبته أشد من هذا)) (11).

أخي المسلم الكريم، لقد صوّرَ اللهُ الإنسانَ الذي يغتاب إخوانه المسلمين بأبشع صورة فمثّله بمن يأكل لحم أخيه ميتاً، ويكفي قبحاً أنْ يجلس الإنسان على جيفة أخيه المسلم يقطع من لحمه ويأكل.

والغيبة من كبائر الذنوب، وهي محرمة بالإجماع قال القرطبي: ((لا خلاف أنَّ الغيبة من الكبائر، وأنَّ من اغتاب أحداً عليه أنْ يتوب إلى الله عز وجل)) (12).

والغيبة مرض خطير، وشر مستطير يفتك الأمة ويبث العداوة والبغضاء بين أفرادها، وهذا المرض لا يكاد يسلم منه أحدٌ إلا من رحم الله.

ومرض الغيبة عضال، كم أحدث من فتنة، وكم أثار من ضغينة، وكم فرّق بين أحبة وشتت بيوتاً.

والغيبة فاكهة أهل المجالس الخبيثة، وغيبة أهل العلم والصلاح أشد قبحاً وأعظم ظلماً؛ فلحومهم مسمومة، وسنة الله في عقوبة منتقصيهم معلومة.

ولعل من أسباب الغيبة الحسد، الذي يحصل لكثير من الذين ابتعدوا عن مراقبة الله، فتجد كثيرين يغتابون آخرين حسداً من عند أنفسهم؛ لأنَّ أخاهم حصل على ما لم يحصلوا عليه.

ومن أسباب الغيبة المجاملة والمداهنة على حساب

الدين؛ فتجد الرجل يغتاب أخاه المسلم؛ موافقة لجلسائه وأصحابه.

ومن أسباب الغيبة الكبر واستحقار الآخرين؛ لأنَّه يثقل عليه أنْ يرتفع عليه غيره فيقدح بهم في المجالس؛ لإلصاق العيب بهم، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الكبر بطر الحق وغمط الناس)) (13).

ومن أسباب الغيبة السخرية والتنقص من الآخرين، فإنَّ بعض الناس يغتاب إخوانه المسلمين عن طريق السخرية، وغيرها من الأسباب والدسائس التي يوحيها الشيطان في صاحب الغيبة في قوالب شتى.

وللغيبة أضرار عظيمة على الفرد والمجتمع، ومن أضرارها أنَّها تُعرِّض صاحبها للافتضاح، فكلما فضحَ الإنسانُ غيرَه فإنَّ الله يفضحه؛ إذ الجزاء من جنس العمل، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر مَن آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمينَ، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنَّه من يتَّبع عوراتهم يتبع اللهُ عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)) (14).

ومن أضرار الغيبة أنها أذيةٌ لعباد الله تعالى، ومن آذى عباد الله فقد توعده الله تعالى بعذاب شديد، قال تعالى:

((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (([الأحزاب: 58].

ومن أضرار الغيبة أيضاً أنها من الظلم والاعتداء على الآخرين، ومعلوم أنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، وأنَّ أثر الظلم سيءٌ، وعاقبته عاقبةٌ وخيمةٌ قال تعالى: ((وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)) [إبراهيم: 42].

وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي، إني حرّمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا)) (15).

ومن أضرار الغيبة أنها توجب العذاب يوم القيامة، فهي من المعاصي العظيمة، ومقترفها يقع في حقين: حق الله، وحق العبد، وهو محاسَب على تقصيره بحق الله. فأما حق العبد فهو إما أنْ يتحلله في الدنيا، أو يعطيه من حسناته أو يحمل من سيئاته إنْ لم يكن له حسنات يعطيه منها، وهذا هو المفلس كما ورد في الحديث (16).

ومن أضرار الغيبة أنها سبب في تفكيك المجتمع، وإثارة الفتن وجلب العداوة والبغضاء بين الناس.

وعلى المسلم إذا سمع غيبة المسلم أنْ يتقي الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويذب عن عرض أخيه المسلم ويمنع المغتاب من الغيبة؛ فإنَّ المغتاب والسامع شريكان قال تعالى:] إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [[الإسراء:36] وروي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)) (17).

تدبر أخي المسلم، أنا لو رأينا أحداً قائماً على جنازة رجل من المسلمين يأكل لحمه ألسنا نقوم جميعاً، وننكر

عليه؟! بلى فلماذا لا ننكر على من يغتاب إخواننا المسلمين، ونذب عن أعراضهم؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير