ولمحاسبة النفس فوائد جمة ومنافع عدة، منها: أنك تطّلع على عيوب نفسك ونقائصها ومثالبها، ومن ثم تستطيع أنْ تضع الدواء على موضع الداء. وكذلك أنك بمحاسبتك لنفسك تتعرف على الله أكثر، وتعلم عظيم فضله عليك. ثم إنَّ من أعظم ثمار المحاسبة التوبة والندم وتدارك ما فات من الأعمال الصالحة في زمن الإمكان، وسيؤول ذلك إلى الاجتهاد في الطاعة وترك المعاصي؛ حتى تسهل عليك المحاسبة في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون.
ـ[ماهر الفحل]ــــــــ[23 Apr 2007, 09:25 م]ـ
الإشاعة
احذر أخي المسلم من الإشاعة، والإشاعة: كل قضية أو عبارة نوعية أو موضوعية مقدمة للتصديق، تتناقل من شخص إلى شخص، عادةً بالكلمة المنطوقة، وذلك دون أنْ تكون هناك معايير أكيدة للصدق (1). فالشائعات لها خطورتها في زعزعة أمن الناس واستقرارهم، وهي تحدث الفوضى والبلبلة في أفكار الناس وتفقدهم توازنهم، ولها أضرار كبيرة، وفي أوقات الأزمات تكون أضرار الإشاعة أكبر، والمرجفون الذين يحاولون زلزلة أوقات الناس في الغالب يستغلون الظروف غير الاعتيادية.
وخطر الإشاعات ظاهرٌ وبيّنٌ في كل زمان ومكان. وفي بغداد مدينة السلام – حرسها الله وأذهب عنها شرذمة الكافرين - ذهب أكثر من ألف شخص في ساعة واحدة نتيجة إشاعة من الإشاعات على جسر من الجسور (2).
بل إنَّ خطر الإشاعة على أمن واستقرار الناس قد ظهر قديماً وبشكل واضح في قصة الإفك (3) في فجر الإسلام. فالإشاعة أخي المسلم لها تأثيرها على الروح المعنوية في إثارة الفتن والأحقاد بين الناس، وهذه الفتن والأحقاد قد تؤول إلى جرائم. إذنْ فخطر الإشاعة يكمن في أنها تزيد من تفرُّق المسلمين، وتوقد نار الشحناء والبغضاء بينهم، فيجب الابتعاد عن هذا العمل؛ لأنَّه مُبغَض عند الله تعالى، قال تعالى: ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)) [النور: 15] فذكر سبحانه وتعالى أنَّ هذا الصنف من الناس يتلقى أعظم الأمور، وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام، فلسان يتلقى
عن آخر بلا تدبر ولا فحص ولا إمعان، حتى لكأنَّ الأمر لا يمر على الآذان ولا تتملاه الرؤوس، ولا تتدبره العقول، فينطق اللسان بالإشاعة الباطلة من غير وعي ولا عقل ولا قلب. فعلى ناقل الإشاعة أنْ يتقي الله في نفسه، ويراقبه في كل ما يقول ويفعل. وعليه أنْ يتذكر أنَّه مُحاسَب على كل كلمة يتكلم بها، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزلّ بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب)) (4)، وقال أيضاً:
((إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإنَّ العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم)) (5).
وقال تعالى: ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) [النساء: 83]. قال الشيخ عبد الرحمان السعدي رحمه الله عن هذه الآية الكريمة: ((هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنَّه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أنْ يثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها)) (6).
أما طرق دحض الإشاعة
فعليك تذكير الناقل للإشاعة بالله وتحذيره من مغبة القول بلا علم. وتذكير الناقل بالعاقبة المتحصلة إذا كانت الإشاعة كذباً. وعدم التعجل في تقبل الإشاعة دون استفهام أو اعتراض. وعدم ترديد الإشاعة؛ لأنَّ في ذلك انتشاراً لها. وعليك اقتفاء سير الإشاعة وتتبع مسارها للوصول إلى مطلقيها ومحاسبتهم بما أباحه الله.
ثم عليك بإماتتها وبالإعراض عنها، قال الإمام مسلم صاحب الصحيح: ((إذ الإعراض عن القول المطّرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهاً للجُهّال عليه)) (8).
هذا وينبغي على الجميع حفظ الألسن عن اتهام البريء بما ليس فيه؛ لأنَّ ذلك يؤدي إلى تلوث الذمم والأخلاق، وليتذكر المسلم دائماً قوله صلى الله عليه وسلم: ((بحسب امرئ من الشر أنْ يحقر أخاه المسلم)) (9).
.......................................
(1) الإشاعة والحرب النفسية: 45.
(2) هذا في عام 1426هـ على جسر الأئمة الذي يربط منطقة الأعظمية بمنطقة الكاظمية.
(3) راجع القصة في صحيح البخاري 6/ 127 (4750)، وصحيح مسلم 8/ 112 (2770) (56). وانظر: الرحيق المختوم: 245 – 247.
(4) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6477)، ومسلم 8/ 224 (2988) (50) من حديث أبي هريرة.
(5) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6478) من حديث أبي هريرة.
(6) تيسير الكريم الرحمان: 190.
(7) صحيح مسلم 1/ 22.
(8) أخرجه: مسلم 8/ 10 (2564) (32) من حديث أبي هريرة.
¥