ـ[ماهر الفحل]ــــــــ[27 Apr 2007, 09:05 م]ـ
وجوب حفظ اللسان
أخي المسلم الكريم اعلم أنَّ مَن حَفِظَ لِسَانَهُ قَلَّ خطأهُ، وندر عثاره وكان أملك لزمام أمره وأجدر ألا يقع في محذور، وقد بشر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من يضمن ذلك وضمن له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الجنة في قوله: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) وفي رواية أيضاً: ((من توكل لي ما بين رجليه، وما بين لحييه توكلت له بالجنة)) (1).
فعلى هذا ينبغي لكل مكلف أنْ يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنةُ الإمساك عنه لأنَّه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك يحصل كثيراً للكثير من الناس.
فالمسلم إذا استقام لسانه استقامت جوارحه، وأما من أطلق عنان ذلك الأمر، ودخل لسانه في معصية الله، وخاض في أعراض الناس؛ فإنَّ جوارحه ستعصي وتنتهك حرمات الله، وقد جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((إذا أصبح ابن آدم، فإنَّ الأعضاء كلها تُكفِّر (2) اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)) (3).
أخي المسلم الكريم، تذكّر دائماً وقوفك عند الله وأنت عريان، فلا تطلق لسانك، وكن عليه رقيباً.
اللسان دليل على كمال عقل الإنسان أو نقصانه، فمن أفلت لسانه دل على نقصان عقله فأكثر الناس كلاماً ولغواً هم أقلهم عقولاً، تمعّن جيداً فالأمر جد خطير؛ لأنَّه متعلق إما بدخول الجنة أو النار، وهذا ما نرجوه، وهو العمل على ما يدخل الجنة، وتجنب ما يدخل النار. اللسان يدخل الإنسان الإسلام بكلمة، ويخرج منه بكلمة، ويدخل بذلك النار. تنبه دائماً أنَّ كل كلمة وكل لفظة مسجلة، كم يجلس الإنسان في مجالس، وفي أكثر المجالس يأتون بإنسان ميت ينهشون بلحمه يأكلون أخاهم ميتاً، نعم من يغتاب أخاه المسلم كمن يأكل لحم أخيه ميتاً، فالمسلم له حرمة، وحرمته أعظم من حرمة الكعبة فقد روى ابن ماجه (4) من حديث عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ((ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأنْ نظن به إلا خيراً)).
تذكّر أخي المسلم كم إنساناً تكلمتَ فيه؟ وكم إنساناً طعنتَ فيه؟ كل هؤلاء سوف يكونون خصماءك عند الله عز وجل، نعم سيكونون خصماءك يوم القيامة، فهذا أخوك المسلم تغتابه وتتكلم فيه وتطعن به، ولا تظنه سيكون خصمك يوم القيامة، أتظن أنَّ الله سيتركك؟ لا: إنَّ الله لن يتركك؛ لأنَّ الله أعدل العادلين ينصف المظلومين من الظالمين. فتنبه دائماً أنَّ الكلمة إذا خرجت فهي مكتوبة لك أو عليك؛ فإياك وإياك أنْ تتكلم إلا وتفكر هل سيكتب لك أو عليك؟ والسلامة لا يعدلها شيء فإنْ لم تعرف أنَّ ما تتكلم به خيراً أو شراً فعليك بالصمت، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صمت نجا)) (5) فانتبه دائماً للسانك قال تعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)) [الإسراء: 36] يقول عبد الله بن مسعود: ((والله الذي لا إله غيره ما من شيء أحوج إلى سجن من لسان)) (6)، وهذا ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن كان يقول: ((قل خيراً تغنم، أو اصمت تسلم قبل أن تندم)) (7).
أخي المسلم الكريم، تمعن في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله وانظر كيف أنه كان كثير الصمت، فهذا نبينا الأعظم رسولٌ ونبيٌّ وكانت هذه صفته، وكان الأعرابيُّ يدخل المسجد فلا يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة كلامه، ولا من جلسته ولا من مكانه، وهذا دليل على مزيد تواضعه صلوات الله وسلامه عليه.
أخي المسلم الكريم، تمعن في قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حينما قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) (8) هكذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأنَّ الصمت والسلامة لا يعدلهما شيءٌ، فأنت إذا تكلمت إما لك وإما عليك قال تعالى: ((وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ)) [الانفطار: 10 - 11] فاحرص دائماً أنْ تقول قولاً سديداً؛ لأنَّه ليس هناك كلام يذهب سدىً فأنت تتكلم بكلام إما يسخط الله فيكتب عليك، وإما من رضوان الله فيكتب لك.
فعليك دائماً أنْ تتنبه إلى لسانك حتى لا يوردك الموارد، فهذا أبو بكر الصديق المبشر بالجنَّة، وصاحب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالغار يشير إلى لسانه ويقول: ((هذا أوردني
الموارد)) (9) فإذا كان هذا حال لسان أبي بكر، ذلك اللسان الذاكر الحامد المسبح، الآمر بالمعروف، الناهي عن المنكر، الناصر لدين الله، المصدِّق لرسول الله، فما حال ألسنتنا، نسأل الله السلامة.
............................
() أخرجه: البخاري 8/ 125 (6474) و8/ 203 (6807) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(2) تكفر: بتشديد الفاء المكسورة أي تتذلل وتتواضع له من قولهم: كفر اليهودي إذا خضع مطأطأ رأسه، وانحنى لتعظيم صاحبه. تحفة الأحوذي 7/ 74 - 75
(3) أخرجه: ابن المبارك في الزهد (1012)، والطيالسي (2209)، وأحمد 3/ 95، والترمذي (2407)، وأبو يعلى (1185) من حديث أبي سعيد الخدري.
(4) برقم (3932).
(5) أخرجه: أحمد 2/ 159 و177، والترمذي (2501) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(6) أخرجه: ابن أبي عاصم في " الزهد " (864)، والطبراني (8744)، وأبو نعيم في " الحلية " 1/ 134.
(7) أخرجه: ابن أبي عاصم في " الزهد " (1043)، وأبو نعيم في " الحلية " 1/ 327 – 328.
(8) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6475) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(9) أخرجه: وكيع بن الجراح في " الزهد " (287)، وهناد في " الزهد " (1093).
¥