ونظير هذا الوهم في كون كريمة المروزية شيخةً للإمام البخاري ما وقع فيه بعض من قام بتحقيق: طبقات الحفاظ للذهبي، وطبقات الحفاظ للسيوطي، وذلك حينما أورد في الفهارس المحدثة كريمة على أنها شيخةٌ للإمام أبي شامة المقدسي، وهو من علماء القرن السابع، ذكر هذا المحقق: أنها كريمة بنت أحمد المروزية، ولعل ذلك لشهرتها.
والصواب أنها كريمة أخرى، وهي: كريمة بنت عبد الوهاب الشامية، التي ترجم لها الذهبي نفسه في تذكرة الحفاظ، حيث أوردها في وفيات سنة (641)، وقال [4: 1434]: ((وفيها ماتت مسندة الشام، أم الفضل، كريمة بنت المحدث عبد الوهاب بن علي بن الخضر، القرشية، الزبيدية، توفيت سنة (641)، عن (95) سنة)).
وقد ولد الإمام أبو شامة (وهو: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم) سنة (599)، وتوفي سنة (665)، فكيف يسمع من كريمة المروزية مع أنها توفيت قبله بنحو قرن ونصف سنة (463)؟ *
ولكريمة المروزية والشامية نظائر كثيرات من النساء العالمات المحدثات في القرون الأولى، بل وفي القرون المتأخرة ممن قمن بتدريس العلوم، ولا سيما علم الحديث ...
ومن العلماء الكبار الذين أخذوا العلم – ولا سيما الحديث والرواية - عن بعض النساء: الإمام الزهري، والإمام مالك بن أنس، والإمام أحمد، وأبو يعلى الفراء.
وكذا: أبو سعد السمعاني، وابن عساكر، وأبو طاهر السِّلَفي، وابن الجوزي، والمنذري، وابن القيم، والذهبي، وابن حجر. رحمهم الله تعالى ...
وفي هذا المثال أو هذين المثالين حث للأخوات الكريمات على طلب العلم، والصبر على تحصيله، والحرص على نفع الناس به، ولا سيما في هذا العصر الذي- مع كثرة الملهيات فيه - تنوعت فيه سبل طلب العلم، وتعددت وسائل نشره بما يفوق الخيال، وقد أقام الله بذلك الحجة على عباده، وقطع عنهم المحجة، فلله الحمد والشكر والمنة والثناء الحسن، ونسأله المزيد من فضله وتيسيره ((وقل رب زدني علما)).
وأختم بسباق ترجمة العالمة كريمة المروزية من الكتاب العظيم ((سير أعلام النبلاء))، لمؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي، قال (رحمه الله تعالى):
((الشيخة، العالمة، الفاضلة، المسنِدة، أم الكرام، كريمة بنت أحمد ابن محمد بن حاتم، المروزية، المجاورة بحرم الله.
سمعت من: أبي الهيثم الكشميهني صحيح البخاري، وسمعت من زاهر بن أحمد السرخسي، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني.
وكانت إذا روت قابلت بأصلها.
ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد.
روت الصحيح مرات كثيرة، مرة بقراءة أبي بكر الخطيب في أيام الموسم.
وماتت بكرا لم تتزوج أبدا.
حدث عنها: الخطيب، وأبو الغنائم النرسي، وأبو طالب الحسين بن محمد الزينبي، ومحمد بن بركات السعيدي، وعلي بن الحسين الفراء، وعبدالله بن محمد بن صدقة بن الغزال، وأبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب، وأبو المظفر منصور بن السمعاني، وآخرون.
قال أبو الغنائم النرسي: أخرجت كريمة إليَّ النسخة بالصحيح، فقعدت بحذائها، وكتبت سبعَ أوراق وقرأتها، وكنت أريد أن أعارض وحدي فقالت: لا، حتى تعارض معي فعارضت معها. قال: وقرأت عليها من حديث زاهر.
وقال أبو بكر بن منصور السمعاني: سمعت الوالد يذكر كريمة، ويقول: وهل رأى إنسان مثل كريمة.
قال أبو بكر: وسمعت بنت أخي كريمة تقول: لم تتزوج كريمة قط، وكان أبوها من كشميهن، وأمها من أولاد السياري، وخرج بها أبوها إلى بيت المقدس، وعاد بها إلى مكة، وكانت قد بلغت المئة.
قال ابن نقطة: نقلت وفاتها من خط ابن ناصر سنة خمس وستين وأربع مئة.
قلت [الذهبي]: الصحيح موتها في سنة ثلاث وستين.
قال هبة الله بن الأكفاني: سنة ثلاث.
حدثني عبد العزيز بن علي الصوفي قال: سمعت بمكة من مخبر بأن كريمة توفيت في شهور هذه السنة.
وقال أبو جعفر محمد بن علي الهمداني: حججت سنة ثلاث وستين فنُعيت إلينا كريمة في الطريق ولم أدركها)). انتهى.
* ومن أراد الاستزادة وطلب المزيد في هذه المسألة وفروعها – ولا سيما أخواتنا الطالبات وخصوصاً صاحبة السؤال – فعليه بالرجوع إلى الكتاب القيم المفرد في هذا الباب:
- كتاب: ((عناية النساء بالحديث النبوي)): صفحات مضيئة من حياة المحدثات حتى القرن الثالث عشر.
- تأليف: الشيخ: مشهور بن حسن بن سلمان (حفظه الله تعالى).
- طباعة ونشر: دار ابن عفان للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، المنطقة الشرقية – الخبر.
الطبعة الأولى، عام (1414).
- هاتف: (8987506/ 03).
- صندوق البريد: (20745)، الرمز البريدي: (31952).
والكتاب يقع في (160) صفحة من الحجم المتوسط (غلاف).
وقد تحدث المؤلف عن الكريمتين العالمتين: كريمة المروزية، وكريمة الشامية (ص: 82 – 85).
هذا ما تيسر لي وأسعفني به الوقت، أرجو أن يكون فيه الغنية والكفاية ...
ومن وقف على أمر يتعلق بتقرير هذه المسألة فليَجُدْ به على من يتلهف إليه، وله علينا الدعاء، ومن الله الأجر والثواب ...
وأسأل الله لي ولكم النفع والفائدة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم