تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال [أبو حيان التوحيدي]: فقلت أصلح الله الأمير، هذا أفضل في الدنيا لفضل فصاحته وعربيته، أرأيت الآخرة ما باله فضل فيها، قال: إنه يقرأ كتاب الله على ما أنزله الله، والذي يلحن يحمله لحنه على أن يدخل في كتاب الله ما ليس فيه، ويخرج منه ما هو فيه، قال: قلت صدق الأمير وبر.

وحدّث عن أبي ثوابة عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه، قال: تكلم أبو جعفر المنصور في مجلس فيه أعرابي فلحن فصر الأعرابي أذنيه، فلحن مرة أخرى أعظم من الأولى، فقال الأعرابي: أف لهذا، ما هذا؟. ثم تكلم فلحن الثالثة، فقال الأعرابي: أشهد لقد وليت هذا الأمر بقضاء وقدر، وحدث بإسناد رفعه إلى الواقدي قال: صلى رجل من آل الزبير، خلف أبي جعفر المنصور وقرأ، " ألهاكم التكاثر ". فلحن في موضعين قال: فلما سلم التفت الزبيري إلى رجل كان إلى جانبه فقال: ما كان أهون هذا القرشي على أهله. وقال بعض الشعراء:

النحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء نعظمه إذا لم يلحن

وإذا طلبت من العلوم أجلها ... فأجلها عندي مقيم الألسن

وقال آخر:

إما تريني وأثوابي مقاربة ... نيست بخز ولا من حر كتان

فإن في المجد هماتي وفي لغتي ... علوية ولساني غير لحان

وحدث قال: قدم طاهر بن الحسين، والعباس بن محمد ابن موسى على الكوفة، فزاره قوم من سوادها. فوجه العباس كاتبه إليه، فلما دخل على طاهر. قال له: أخيك أبي موسى يقرأ عليك السلام، قال. وما أنت منه؟ قال كاتبه الذي يطعمه الخبز قال نعم، علي بعيسى بن عبد الرحمن، قال. فجاء، وكان عيسى كاتب طاهر، فقال. اكتب وأنت قائم بصرف العباس بن محمد بن موسى عن الكوفة، إذ لم يتخذ كاتباً يحسن الأداء عنه.

وحدث فيما أسنده إلى الضحاك بن زمل السكسكي، وكان من أصحاب المنصور قال: كنا مع سليمان بن عبد الملك بدابق، إذ قام إليه السحاح الأزدي الموصلي، فقال يا أمير المؤمنين: إن أبينا هلك وترك مال كثير، فوثب أخانا على مال أبانا فأخذه، فقال سليمان: فلا رحم الله أباك ولا نيح عظام أخيك، ولا بارك الله لك فيما ورثت، أخرجوا هذا اللحان عني. فأخذ بيده بعض الشاكرية وقال: قم فقد آذيت أمير المؤمنين.

وقال نافع مولى ابن عمر: كان ابن عمر [رضي الله عنهما] يضرب ولده على اللحن، كما يضربهم على تعليم القرآن.

قال حماد ابن سلمة: مثل الذي يكتب الحديث ولا يعرف النحو، مثل الحمار عليه مخلاته ولا شعير فيها.

روى عن الشعبي أنه قال: لأن أقرأ وأسقط أحب إلي من أقرأ وألحن. وقال محمد بن الليث: النحو في الأدب، كالملح في الطعام، فكما لا يطيب الطعام إلا بالملح، لا يصلح الأدب إلا بالنحو.

وقال رجل لبنيه: يا بني أصلحوا من ألسنتكم، فإن الرجل تنوبه النائبة، يحتاج أن يتجمل فيها، فيستعير من أخيه دابة ومن صديقه ثوباً، ولا يجد من يعيره لسانا.

وحدث عن الأصمعي أنه قال: أخوف ما أخاف على طالب العلم، إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " لأنه لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه، ولحنت فقد كذبت عليه.

وقال عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من آثار الجدري في الوجه.

ورأى أبو الأسود الدؤلي أعدالا للتجار مكتوب عليها لأبو فلان. فقال: سبحان الله يلحنون ويربحون. ويقال: من أحب أن يجد الكبر في نفسه فليتعلم العربية.

ألم يعلم أن بعضهم استدل على أن النحو فرض كفاية إن لم يقل إنه فرض عين.

وقال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح: أخشى على من تعاطى الحديث ولم يدر النحو، أن يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمدا، فليتبوء مقعده من النار.

ثم إنه استثنى أشياء من ذلك لا تعرف إلا بالإعراب.

قالت العرب: إنه لا يتوصل إلى معرفة الغامض إلا بعد معرفة الواضح، ومن لم يعرف البين لم يعرف العويص، لينتقل في التفهم من الأدنى إلى الأعلى.

- علي بن حموة الكسائي أبو الحسن كوفي. نزل بغداد وأدب محمد بن الرشيد وهو إمام أهل الكوفة في النحو والقراءة وأستاذ الفراء والأحمر والكسائي قليل الشعر وله أبيات يصف فيها النحو ويحث على تعلمه مشهورة أولها:

نما النحو قياس يتبع ... وبه في كل أمرٍ ينتفع

فإذا ما أبصر النحو الفتى ... مر في المنطق مراً فاتسع

وإذا لم يعرف النحو الفتى ... هاب أن ينطق حسناً فانقعمع

يقرأ القرآن ما يعلم ما ... صرف الأعراب فيه وصنع

فتراه يخفص الرفع وما ... كان من نصب ومن خفض رفع

و هذا مثال عن اللحن في الحديث الشريف:

(( .... قوله صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط بن صبرة وافد بني المُنْتَفِق:

حين أراح الراعي غنمه، ومعه سخلةٌ تيعر [السخلة ولد الشاة من الضأن، والمعز حين يولد ذكراً كان أو أنثى، تيعر: يعني بصوتها] فقال صلى الله عليه وسلم: " ما وَلَّدْتَ يا غلام؟ " قال: بَهْمَة. قال صلى الله عليه وسلم: " فاذبح لنا مكانها شاةً "، ثم قال: " لا تحسبنَّ أنَّا من أجلِكَ ذبحناها ".

الرواية " وَلَّدْتَ " بتشديد اللام، على وزن فَعَّلْتَ، خطاب المواجهة، وأكثر المحدثين يقولون: ما " وَلَدَتْ "، يريدون: ما وَلَدَتِ الشاةُ، وهو غلط.

تقول العربُ: وَلَّدْتُ الشاةَ: إذا نُتِجَتْ عندك فوليتَ أمر ولادها.

وأنشدنا أبو عمر قال: أنشدنا أبو العباس ثعلب:

إذا ما ولَّدوا يوماً تَنَادَوْ … ا أَجْدِيٌّ تحتَ شاتِكَ أم غلامٌ

ويقال: ولدتِ الغنمُ وِلاداً، وفي الآدميات: وَلَدَتِ المرأةُ ولادةً، ومن الناس من يجعلها شيئاً واحداً.

وقوله: " لا تحسبنَّ أنا ذبحناها من أجلِكَ "، معناه: نفي الرياء، وترك الاعتداد بالقِرَى على الضيف))

من إصلاح غلط المحدثين للإمام الخطّابي ت388.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير