تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اليوم، وكان باطلاً في الحياة الدنيا لأنه غير مقبول عند الله عز وجل؛ لأنه لا يصاحبه الإيمان أو لا تصاحبه المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لا يصاحبه إخلاص العبادة لله عز وجل. وهذا أيضاً هو معنى قول الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ [الإسراء:18]، أي: الحياة الدنيا بعمله: عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [الإسراء:18]، هؤلاء يأخذون جزاءهم في الدنيا، فيوم دينهم أي: جزاؤهم يأخذونه في الدنيا، أما المؤمنون فإن الله عز وجل قد يبعد عنهم رخاء الحياة الدنيا، فقد يعيشون فقراء أو محرومين أو معذبين أو مسجونين أو ما أشبه ذلك، ثم نجد أن الله عز وجل يدخر لهم ذلك في الحياة الآخرة؛ لأن الله عز وجل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، بل إن الله عز وجل يقول: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا [الفجر:15 - 17]، يقول: كلا! أي: لا هذا أكرمه ولا هذا أهانه، فإن الإكرام والإهانة هو في الحقيقة في الدار الآخرة، أما في الحياة الدنيا فقد يكرم الله عز وجل من لا يستحق ذلك استدراجاً أو جزاءً على عمل قدمه في الحياة الدنيا، كأن يبني المدارس، أو يحفر الترع، أو يبني القناطر، أو ما أشبه ذلك مما ينفع الناس لكن بدون نية، فالله تعالى يجعل جزاءه في الحياة الدنيا. أما المؤمنون فإن الله تعالى وإن عجل لهم شيئاً من ذلك في الحياة الدنيا، لكن الجزاء الأكبر مدخر لهم في الحياة الآخرة، وهذا معنى قوله: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، أي: مالك يوم الجزاء، فهو الجزاء الحقيقي. كما أن في ذلك اليوم أيضاً جزاء الكافرين والعصاة، فإن كل واحد يأخذ جزاءه في تلك الدار إذا لم يتجاوز الله عز وجل عن سيئاته، كما يجزي المؤمنين بالجنة في الدار الآخرة، فإنه سبحانه وتعالى يجزي الكافرين بالعذاب وكذلك العصاة، إذا لم يتجاوز الله عز وجل عنهم؛ لأن الكفار مخلدون في النار، وعصاة المؤمنين تحت مشيئة الله عز وجل وإرادته، فإذا تابوا تاب الله عز وجل عليهم، وإن ماتوا على معاصيهم فإن الله تعالى قد يعذبهم وقد يعفو عنهم، وإذا عذبهم فإنهم لا يخلدون في النار إذا ماتوا على الدين والتوحيد والطاعة لله عز وجل، وإن كانت عندهم ما عندهم من المعاصي ولو كانت كبائر لم يتجاوز الله عز وجل عنها. إذاً: قول الله تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، أي: مالك يوم الجزاء، وعلى هذا فإن يوم الدين ويوم الجزاء هو يوم القيامة، والله تعالى مالك أيام الدنيا ويوم الدين، لكن ملك الدنيا قد يظن أحد من الناس أنه يملك فيه شيئاً، يملك بيته .. يملك أرضه .. يملك عقاره .. يملك أهله وماله وداره .. يملك الملك دولته ويتصرف هذا التصرف، لكن الملك المطلق يكون في يوم الدين لله عز وجل؛ لأنه لا يبقى ملك لأحد في ذلك اليوم إلا من يملكه الله عز وجل، كما قال الله عز وجل عن المؤمنين أنهم يقولون: وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ [الزمر:74]، وهذا هو التمليك المطلق الدائم، لكنه بتمليك الله عز وجل، أما ذلك اليوم فالذي يملكه ويملك التصرف فيه، ويملك أيضاً الجزاء، ويملك من يشاء ويحرم من يشاء هو الله عز وجل، ولذلك خص يوم القيامة بقوله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). إذاً: الدين معناه: الجزاء والحساب، وهذا دليل على أن الله عز وجل هو الذي يحاسب الإنسان بنفسه، ويحاسبه بناءً على علمه أولاً، بما فعل الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وما سجلته هذه الصحائف التي سجلت على كل إنسان، كما جاء في الحديث: (إن الله عز وجل ينشر على عبده يوم القيامة تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مد البصر، وهي صحائف الأعمال، فيقول الله عز وجل: أتنكر من ذلك شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ ألك عذر؟ ألك حسنة؟ فيقول الإنسان: لا والله يا رب! فيظن أنه قد هلك، فيقال: بلى، إن لك عندنا حسنة، إنك لا تظلم، فيؤتى ببطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتوضع في كفة، وتوضع تلك السيئات العظيمة كلها في كفة، فتثقل البطاقة، وتطيش السجلات)؛

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير