تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لأن هذا الإنسان حقق لا إله إلا الله وعمل بمقتضاها. وعلى هذا فإن الجزاء من عند الله عز وجل، والله تعالى هو الذي يحاسب هذا الإنسان، حتى إن الله عز وجل كما جاء في الحديث: (يحاسب عبده ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه -أي: عن شماله- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة)، وبالرغم من كثرة الخلائق يوم القيامة فإن الحساب يكون في لحظة واحدة؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:199]، لأنه قد اطلع، وقد أودع الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا شهوداً تشهد على هذا الإنسان: فأولها كما ذكر الله عز وجل: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا [يونس:61]. الأمر الثاني: أولئك الملائكة، الذين يقول الله عز وجل عنهم: كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:11 - 12]. الأمر الثالث: الأرض، فإن الأرض شاهدة على الإنسان؛ لأنه لا يمكن أن يفعل الإنسان شيئاً إلا على وجه الأرض، حتى لو كان في جو السماء، فالأرض مطلعة وتشهد عليه يوم القيامة؛ لأن الله عز وجل يقول: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل علي فلان كذا في يوم كذا وكذا، وعمل علي فلان كذا في يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها). أيضاً جعل الله عز وجل هناك شهوداً آخرين: كالناس يشهد بعضهم على بعض، كما جاء في الحديث: (مرت ذات يوم جنازة فأثنى عليها الناس خيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مرت جنازة أخرى فأثنوا عليها شراً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وجبت، فقالوا: ما وجبت يا رسول الله؟ قال: الأولى أثنيتم عليها خيراً فوجبت لها الجنة، والثانية أثنيتم عليها شراً فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه). أيضاً: الشاهد الأكبر بعد الله عز وجل هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه جاء في قول الله عز وجل في سورة النساء: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيد

أعلى الصفحة

تفسير قوله تعالى: (إياك نعبد)

ثم قال الله عز وجل: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، هذه الآية تحمل مطلق العبادة والاستعانة بالله عز وجل، وأنه ليس هناك عبودية لأحد إلا لله عز وجل، وليس هناك معبود إلا الله عز وجل، ونأخذ كلمة التوحيد المطلقة من قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]؛ لأن (إياك) مفعول لنعبد، و (نعبد) فعل مضارع، والفاعل نحن، وتقديم المفعول على الفعل والفاعل مما يدل على الاختصاص، وهذه قاعدة في اللغة العربية: كلما قدم ما حقه التأخير فإنه يدل على الاختصاص، وعلى هذا فإنه يصبح قولنا: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، أي: لا نعبد أحداً سواك، ولذلك جاء الضمير منفصلاً؛ لأنه تقدم عن مكانه، وتقدمه للحصر؛ لأنه كلما قدم ما حقه التأخير فيكون حصراً. إذاً: معنى قول الله عز وجل: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أي: لا نعبد إلا إياك، ونأخذ الحصر من تقديم ما حقه التأخير، وعلى هذا فإن هذه الآية بجزئها الأول حصرت العبودية لهذا الإنسان لله عز وجل وحده، أي: لا نعبد أحداً سواك، وعلى هذا فإنها تحتوي على كلمة التوحيد المطلقة التي لا تقبل أي جدال ولا شك، ولذلك لما أطلق التمجيد لله عز وجل في تخصيصه سبحانه وتعالى بالعبادة، وتخصص هذا الإنسان بالعبودية لله عز وجل، قال الله عز وجل كما في الحديث: (مجدني عبدي)، عند هذه الآية، فالتمجيد معناه: الثناء الكامل وإضافة المجد كله لله عز وجل. وعلى المسلم وهو يكررها في كل ركعة من صلاته أو في غير الصلاة أن يفهم حقيقتها، فإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)، فلا يحني ظهره لغير الله عز وجل، ولا يطأطئ رأسه لغير الله عز وجل، ولا يضع أشرف عضو من أعضائه -وهو الوجه- على الأرض إلا لله عز وجل. وعلى هذا فإن الله سبحانه وتعالى في مثل هذه الآية خص نفسه بالألوهية، ولذلك يرفضها المشركون؛ لأنهم يعبدون آلهة الكفر مع الله عز

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير