تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دعاء، فالأمر له عدة حالات: فإذا كان من الأعلى أو من المساوي قد يكون أمراً، لكن إذا كان من الأقل إلى الأعلى فمعناه دعاء وتضرع بين يدي الله عز وجل، وطلب من الله عز وجل الهداية والثبات، وعلى هذا فإن معنى قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، أي: ثبتنا عليه، سؤال من الله عز وجل أن يثبتهم على الصراط المستقيم. والمسلم دائماً عليه أن يتأكد من صحة المسار، ومن تأكده أن يكثر من قول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، بل إذا قالت له نفسه شيئاً من الغرور، يسأل الله عز وجل الثبات، وإن لم تقل له نفسه شيئاً من هذا الغرور فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق وأحسنهم عملاً وإخلاصاً ومتابعة لأوامر الله عز وجل كان دائماً يقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، ونحن أولى بأن نقول ذلك؛ لأن الله عز وجل يقول: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، ولم يقل: أسلموا، وإنما قال: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وجاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع -يعني: قرب الأجل- فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً في أهل النار: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع -أي: فيما يظهر للناس- فيسبق عليه الكتاب -أي: يقرب الأجل- فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)، ويأتي إذا قرب الأجل ما قدره الله عز وجل له في اللوح المحفوظ، نسأل الله الثبات، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، فهو في طول حياته -نعوذ بالله- ضال، لكن الله عز وجل أراد له الهداية وحسن الخاتمة، ولذلك يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة) نسأل الله الثبات والموت على الملة. قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، أي: ثبتنا عليه، وهذا الثبات هو الذي يحرس هذا الإنسان؛ لأن الله تعالى يقول: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]، وكم نرى من الناس من هو على صلاح وتقى، ولكن الله عز وجل أراد له الضلالة وسجل عليه الشقاوة في جبينه يوم كان في بطن أمه وفي اللوح المحفوظ؛ لأن أول ما خلق الله القلم فقال له: (اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، فكتب ذلك كله في اللوح المحفوظ، فنرى صلاحاً وتقى في إنسان، ثم إذا به ينحرف نعوذ بالله! وقد نرى والحمد لله ما هو أكثر من ذلك في أيامنا الحاضرة، أناساً رأيناهم في ضلال، حتى إذا جاء الله عز وجل بهذه الصحوة الإسلامية المباركة، وهذا الاتجاه الطيب، وجدنا أن هؤلاء والحمد لله أصبحوا في مقدمة الصالحين، وقد يكونون أبناء أناس فسقة ومن الله عز وجل عليهم بالهداية، لاسيما في هذا العصر الذي أثلج -والحمد لله- صدور المؤمنين ما نشاهده من اتجاه إلى دين الله عز وجل، نسأل الله لهم الثبات والاتزان والانضباط، حتى لا يتعدوا الحدود التي شرعها الله عز وجل.

معنى الصراط المستقيم

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، الصراط المستقيم: هو طريق الجنة، وطريق الإسلام قبل ذلك، وسمي صراطاً لأن الصراط معناه: الطريق، والمستقيم معناه: الذي لا ينحرف، وقد فسرت هذه الآية الآية الأخرى في آخر سورة الأنعام، وهي قول الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا [الأنعام:153]، الذي هو دين الإسلام وطريق الجنة، فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، ومعنى السبل أي: الطرق الأخرى، والرسول صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الآية في سورة الأنعام في آخرها خط خطاً طويلاً مستقيماً وقال: (هذا صراط الله -يعني: الذي يوصل إلى الجنة- وعليه داع يدعو إليه)، خطوطاً منحرفة يميناً ويساراً وقال: (هذه هي السبل، وعلى كل واحد منها شيطان). ولذلك يقول العلماء: إنه كلما جاء الصراط المستقيم أو دين الإسلام أو الطريق الموصل إلى الجنة جاء بلفظ المفرد، كقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير