تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يوجد في العلمانيين في هذا العصر، يقولون: إن هذا الدين دين عبادة، والقرآن نزل للعبادة، والمسلم مكلف بالعبادة فقط من عند الله عز وجل، أما بالنسبة لأنظمة الحياة فيقول هؤلاء العلمانيون: هذه ليست لله وإنما هي للبشر، هذا لله وهذا لشركائهم، ولذلك يرون أن هذا الدين لا يتدخل في أنظمة الحياة: لا في الأنظمة الاقتصادية، ولا في الأنظمة السياسية، ولا في الأنظمة الأخلاقية، ولا في الأكل ولا الشرب ولا اللباس، إنما يقول هؤلاء العلمانيون قاتلهم الله: إن معنى هذا الدين أن تذهب إلى المسجد تصلي إذا جاء وقت الصلاة، وتصوم إذا جاء رمضان، وتحج إذا جاء الحج وتعتمر .. إلى غير ذلك من العبادات، أما أموال الناس ومعاملاتهم وسلوكهم وحكمهم وسياستهم فيقولون: لا يتدخل الدين في ذلك، فهذا منهج العلمانيين. أما الصوفية فإنهم يصرفون أنواعاً من العبادة لغير الله عز وجل، ويبدأ ذلك من البدع والعياذ بالله! والبدع كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في كل خطبة جمعة: (كل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وعلى هذا: فإن أي بدعة فإنها تعتبر ضلالة في الحقيقة، وعلى هذا فإن المسلم مطالب بأن يسأل الله عز وجل دائماً الهداية، فإذا كان ذلك الإنسان ضالاً وهو يسأل الله الهداية ويقول: أنا مهتدي، وهو ضال في الحقيقة، كما ذكرت عن هؤلاء الذين يزعمون أنهم على الصراط المستقيم، فهؤلاء أشد الناس فتنة يوم القيامة، وهم في الدنيا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً قال تعالى عنهم: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:104]، وأخبر الله عز وجل عنهم في مكان آخر بقوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور:39]. فهؤلاء الذين يعبدون الله عز وجل على غير بصيرة أو بدون قاعدة التوحيد، أو المنافقون أو من كانت عندهم شطحات عظيمة تخرجهم من الملة: يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:104]، و أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39]، و (السراب) معناه: الشيء الذي يرى في شدة الحر وكأنه ماء للعطشان، فيركض وراءه، وكلما قرب ابتعد، والحقيقة أنه ليس ماءً، وإنما هو فقط أمام عينيه، وهكذا أعمال هؤلاء القوم الذين يحسبون أنهم على حق وهم على ضلال، ولذلك يروى أن علياً رضي الله عنه كان يسير في الطريق ذات يوم في صحراء، فمر بدير من أديرة اليهود فنادى، فأطل عليه راهب كانت الدموع تسيل على لحيته، فلما رآه علي رضي الله عنه قال: صدق الله العظيم: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ [الغاشية:2]، أي: في الدنيا، عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:3 - 4]، أي: في الآخرة، فلا ينفع مثل هذا إيمانه؛ لأنه يبكي على غير منهج صحيح، ولذلك نلاحظ كثيراً من الناس يصرفون وقتاً كبيراً للعبادة، لكن هذه العبادة إما مبنية على قاعدة البدعة أو الشرك بالله عز وجل، أو عمل ليس على المنهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ليس صواباً غير مقبول. ولذلك المسلم يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، فيطلب الهداية إن كان عنده شيء من الأخطاء التي تضله عن الطريق أو هناك من يضله، يسأل الله تعالى أن يهديه، ثم يسأل الله عز وجل الثبات أيضاً على ذلك، أي: ثبتنا على الصراط المستقيم؛ لأن الهداية هي دلالة وثبات، فالله تعالى هو الذي يدل الإنسان على الطريق المستقيم، وقد يضل أذكى الناس كما نشاهد في أيامنا الحاضرة، فإن الذين صنعوا الكمبيوتر والأجهزة الدقيقة، وصعدوا في الفضاء، ووصلوا إلى القمر، وغاصوا في أعماق الأرض، واكتشفوا أشياء دقيقة جداً، ما هداهم الله عز وجل إلى هذا الطريق المستقيم؛ لأن الله عز وجل لا يهدي إلا من يريد، والهداية لا تقوم على الذكاء، أو على الآباء والأمجاد، أو أبناء الذوات أو ما أشبه ذلك، وإنما تقوم على توفيق من الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35]، ولذلك المسلم يكررها في كل ركعة، وفي غير الصلاة أيضاً: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ). وهذا دعاء يطلب من الله عز وجل وإن كان أمراً في ظاهره، لكنه لا يكون من الأقل للأعلى إلا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير