تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مشهد الفقر والفاقة والعجز والضعف وانه إن لم يعنه الله ويثبته ويوفقه فهو هالك والفرق بين مشهد هذا ومشهد الجبرية ظاهر السادس مشهد التوحيد وهو الذي يشهد فيه إنفراد الله عز وجل بالخلق والإبداع ونفوذ المشيئة وان الخلق اعجز من ان يعصوه بغير مشيئته والفرق بين هذا المشهد وبين المشهد الخامس ان صاحبه شاهد لكمال فقره وضعفه وحاجته وهذا شاهد لتفرد الله بالخلق والإبداع وأنه لا حول ولا قوة الا به السابع مشهد الحكمة وهو ان يشهد حكمة الله عز وجل في قضائه وتخليته بين العبد والذنب ولله في ذلك حكم تعجز العقول عن الإحاطة بها وذكرنا منها في ذلك الكتاب قريبا من أربعين حكمة وقد تقدم في أول هذا الكتاب التنبيه على بعضها الثامن مشهد الأسماء والصفات وهو ان يشهد ارتباط الخلق والأمر والقضاء والقدر بأسمائه تعالى وصفاته وان ذلك موجبها ومقتضاها فأسماؤه الحسنى اقتضت ما اقتضته من التخلية بين العبد وبين الذنب فإنه الغفار التواب العفو الحليم وهذه أسماء تطلب آثارها وموجباتها ولا بد فلو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم وهذا المشهد والذي قبله اجل هذه المشاهد وأشرفها وارفعها قدرا وهما لخواص الخليفة فتأمل بعد ما بينهما وبين المشهد الأول وهذان المشهدان يطرحان العبد على باب المحبة ويفتحان له من المعارف والعلوم أموراً لا يعبر عنها وهذا باب عظيم من أبواب المعرفة قل من استفتحه من الناس وهو شهود الحكمة البالغة في قضاء السيئات وتقدير المعاصي وإنما استفتح الناس باب الحكم في الأوامر والنواهي وخاضوا فيها واتوا بما وصلت إليه علومهم واستفتحوا أيضا بابها في المخلوقات كما قدمناه وأتوا فيه بما وصلت إليه قواهم وأما هذا الباب فكما رأيت كلامهم فيه فقل ان ترى لأحدهم فيه ما يشفى أو يلم وكيف يطلع على حكمة هذا الباب من عنده ان أعمال العباد ليست مخلوقة لله ولا داخلة تحت مشيئته أصلا وكيف يتطلب لها حكمة أو يثبتها أم كيف يطلع عليها من يقول هي خلق الله ولكن أفعاله غير معللة بالحكم ولا يدخلها لام تعليل أصلا وإن جاء شيء من ذلك صرف الى لام العاقبة لا الى لام العلة والغاية فأما إذا جاءت الباء في أفعاله صرفت الى باء المصاحبة لا الى باء السببية وإذا كان المتكلمون عند الناس هم هؤلاء الطائفتان فإنهم لا يرون الحق خارجا عنهما ثم كثير من الفضلاء يتحير إذا رأى بعض أقوالهم الفاسدة ولا يدرى أين يذهب ولما عربت كتب الفلاسفة صار كثير من الناس إذا رأى أقوال المتكلمين الضعيفة وقد قالوا إن هذا هو الذي جاء به الرسول قطع القنطرة وعدي الى ذلك البر وكل ذلك من الجهل القبيح والظن الفاسد ان الحق لا يخرج عن أقوالهم فما أكثر خروج الحق عن أقوالهم وما أكثر ما يذهبون في المسائل التي هي حق وصواب الى خلاف الصواب والمقصود ان المتكلمين لو اجمعوا على شيء لم يكن إجماعهم حجة عند احد من العلماء فكيف إذا اختلفوا والمقصود ان مشاهدة حكمة الله في أقضيته وأقداره التي يجربها على عباده باختياراتهم وإراداتهم هي من ألطف ما تكلم فيه الناس وأدقه وأغمضه وفي ذلك حكم لا يعلمها إلا الحكيم العليم سبحانه ونحن نشير الى بعضها فمنها أنه سبحانه يحب التوابين حتى انه من محبته لهم يفرح بتوبة احدهم اعظم من فرح الواحد براحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض الدوية المهلكة إذا فقدها وأيس منها وليس في أنواع الفرح أكمل ولا اعظم من هذا الفرح كما سنوضح ذلك ونزيده تقريراً عن قريب إن شاء الله ولولا المحبة التامة للتوبة ولأهلها لم يحصل هذا الفرح ومن المعلوم ان وجود المسبب بدون سببه ممتنع وهل يوجد ملزوم بدون لازمه أو غاية بدون وسيلتها وهذا معنى قول بعض العارفين ولو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم المخلوقات عليه فالتوبة هي غاية كمال كل آدمي وإنما كان كمال أبيهم بها فكم بين حالة وقد قيل له إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى وبين قوله ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فالحال الأولى حال أكل وشرب وتمتع والحال الأخرى حال اجتباء واصطفاء وهداية فيما بعد ما بينهما ولما كان كماله بالتوبة كان كمال بنيه أيضا بها كما قال تعالى ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات فكمال الآدمي في هذه الدار بالتوبة النصوح وفي الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنة وهذا الكمال مرتب على كماله الأول والمقصود انه سبحانه لمحبته التوبة وفرحة بها يقتضي على عبده بالذنب ثم إن كان ممن سبقت له الحسنى قضى له بالتوبة وإن كان ممن غلبت عليه شقاوته أقام عليه حجة عدله وعاقبة بذنبه.

وقال: فصل ومنها انه سبحانه يجب ان يتفضل عليهم ويتم عليهم نعمه ويريهم

مواقع بره وكرمه فلمحبته الإفضال والإنعام ينوعه عليهم اعظم الأنواع وأكثرها في سائر الوجوه الظاهرة والباطنة ومن اعظم أنواع الإحسان والبر ان يحسن الى من أساء ويعفو عمن ظلم ويغفر لم أذنب ويتوب على من تاب إليه ويقبل عذر من اعتذر إليه وقد ندب عباده الى هذه الشيم الفاضلة والأفعال الحميدة وهو أولى بها منهم وأحق وكان له في تقدير أسبابها من الحكم والعواقب الحميدة ما يبهر العقول فسبحانه وبحمده وحكى بعض العارفين انه قال طفت في ليلة مطيرة شديدة الظلمة وقد خلا الطواف وطابت نفسي فوقفت عند الملتزم ودعوت الله فقلت اللهم اعصمني حتى لا أعصيك فهتف بي هاتف أنت تسألني العصمة وكل عبادي يسألوني العصمة فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل ولمن اغفر قال فبقيت ليلتي الى الصباح استغفر الله حياء منه هذا ولو شاء الله عز وجل ان لا يعصي في الأرض طرفة عين لم يعص ولكن اقتضت مشيئيه ما هو موجب حكمته سبحانه فمن اجهل بالله ممن يقول انه يعصي قسرا بغير اختياره وميشيئته سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

مفتاح دار السعادة 1/ 283 - 287

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير