[كلام التوحيدي حول ولوع كل ذي علم بعلمه]
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[17 Aug 2007, 06:06 م]ـ
لأبي حيان التوحيدي كلام جميل في كتابه المقابسات، حول ولوع كل ذي علم بعلمه، أنقله هنا للفائدة:
المقابسة التاسعة: في ولوع كل ذي علم بعلمه ودعواه أن ليس في الدنيا أشرف من علمه
سأل أبو محمد الأندلسي النحوي عيسى بن علي بن عيسى الوزير وأنا عنده فقال: لم قال صاحب كل علم: ليس في الدنيا أشرف من علمي الذي أنظر فيه؟ هكذا تجد الطبيب، والمنجم، والنحوي، والفقيه، والمتكلم، والمهندس، والكاتب، والشاعر .. قال: وأنا لمكاني من النحو أقول هذا، وهكذا أجد جميع من سميت؟
قال الشيخ عيسى بن علي: هذا لأن صورة العلم في كل نفس واحدة، وكل أحد يجد تلك الصور بعينها، فيمدح العلم بها، ويظن أن تلك الصورة إنما هي لعلمه وحده، وكذلك صاحبه.
وتلك أطال الله بقاك صورة العلم الأول، فأما إذا قسمت العلم كما قسمه أبو زيد أحمد بن سهل البلخي الفيلسوف في كتابه أقسام العلوم وتتبعت مراتبه فإنك حينئذ تجد علما فوق علم، بالموضوع أو بالصورة، وعلماً دون علم، بالفائدة والثمرة.
وهذا المعنى الذي أشير إليه يصح لك. ولو فرضت نفسك عالمة كل شيء لكنت حينئذ لا يحضرك علم دون علم، بل كنت تطلع على جميعه بنوع الوحدة، مع اختلاف مراتبه من نواحي مواده وصوره، وفوائده وثمره، وكنت تجدها كلها واحدة، لأن حد العلم كان يسبق من كل فن منها على ما هو به من غير خلل عارض، ولا فساد واقع.
قال الأندلسي: قد كنا أيها السيد نترامى هذه المسألة تحقيراً لها وامتهاناً لقدرها، وفيها هذا الجواب الذي لو رحل إليه من قطر شامع، وغرم عليه مال كثير، لكان ذلك دون حقه.
وما أكثر ما يحقر الشيء فيصير صلة لشيء لا يحقر! لولا أن عمري يستهلكه النحو لكنت ألبس لهذا العلم صدار المنكمش، وأصبغ نفسي صبغة المتحققين!
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[18 Aug 2007, 05:02 ص]ـ
هذه فلسفة بديعة من أبي حيان، وقد أحسنت الاختيار رعاك الله.
ـ[الجكني]ــــــــ[18 Aug 2007, 06:46 ص]ـ
ذكرني هذا المقال بكلام شبيه للإمام ابن حزم رحمه الله وهو يدور حول تعظيم كل طائفة لأسلافها قال رحمه الله:
" ولا تستوحش مع الحق أحداً، فمن كان معه الحق فالخالق تعالى معه، ولا تبال بكثرة خصومك ولا بقدم أزمانهم و: لا بتعظيم الناس إياهم ولا بعزتهم فالحق أكثر منهم وأقدم وأعز وأعظم عند كل أحد وأولى بالتعظيم.
وإذا شئت أن تتيقن فساد مراعاة ما ذكرنا فتأمل أهل كل ملة وكل أمة فإنك تجدهم مطبقين على تعظيم أسلافهم وصفتهم بكل فضيلة وبكل خير وذمّ أسلاف من خالفهم، وتأمل كل قول يقال ن فقد كان القائلون به في أول أمره قليلاً، وأكثر ذلك يرجع إلى واحد ثم كثر أتباعه، وفتش كل قول قديم تجده قد كان ابن ساعة بعد أن لم يكن، ثم مرت عليه الأيام والشهور والسنون والدهور، فاعلم أن مراعاة هذه الأمور من ضعف العقل وقلة العلم.
ولا تبال أيضاً وإن كانوا فضلاء على الحقيقة، فقد يخطئ الفاضل ما لم يكن معصوماً، ولو أن ذلك الفاضل لاح له ما لاح لك لرجع إليك ولو لم بفعل لكان غير فاضل. اهـ بنصه:رسائل ابن حزم: 4/ 336 - 337
رحمك الله وغفر لك، فلو كنت بيننا ورأيت ما عليه الناس الآن: ما كنت قائلاً أو كاتباً؟؟؟؟؟؟؟
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[18 Aug 2007, 05:05 م]ـ
جزاكما الله خيرا.
وما نقله شيخنا د. الجكني يفتح المجال لذكر أقوال أخرى للعلماء حول هذا الموضوع، لأهميته.
ففي تقديري أن (ولوع كل ذي علم بعلمه) و (ولوع كل تلميذ بشيخه) مرضان يحتاج أغلبنا إلى العلاج منه، لتزكية نفسه وتهذيبها، حتى يصبح الحق هو المنشود، مستقلا عن الأشخاص والجماعات.
فأفيدونا يرحمكم الله.