تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ما هو الخطأ]

ـ[د/ إبراهيم الشافعي]ــــــــ[09 Aug 2007, 06:06 م]ـ

الخطأ هو أمر مخالف لما يجب أن يكون، فلا بأس أن نعرّفه بالنقيض، أو بالضدّ فنقول: الخطأ ضدّ الصواب، بمعنى: أن يفعل الإنسان أو يقول ما لا يصلح له أو يقوله أو يفعله.

وقد يكون المعيار في ذلك شرعيًّا، أو اجتماعيًّا، أو مصلحيًّا، أو غير ذلك.

وقد ورد في القرآن الكريم التعبير بالخطأ؛ لما هو ضدّ الصواب مثل قول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا} [الإسراء:31]، وفي قراءة (خَطَأ) بفتح الخاء، وهي قراءة ابن عامر وأبي جعفر.

فهذا خطأ لأنه جريمة شرعيّة وفعل شنيع، وضدّ ما هو صواب؛ فإن الصواب ليس هو قتل الأولاد ووَأْدهم، وإنما الحفاظ عليهم، وتكريمهم ورعايتهم، وتربيتهم، وحياطتهم.

وقد يُطلق الخطأ على ما هو ضدّ العمد.

تقول: فعلت هذا الأمر خطأً، يعني من غير تقصّد، وهذا ورد في موضوع القتل ذاته في القرآن الكريم في قوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} [النساء:92]، كأن يكون أراد أن يصيد طيراً فأصاب إنساناً، فقد يُسمّى خطأً ما هو ضدّ التعمّد؛ لغفلة أو نسيان من غير نيّة ولا إرادة.

والخطيئة شيء أشنع من الخطأ، والإنسان ربما أراد الحقّ فأخطأه، أما الخطيئة فهي كونه أراد الباطل فأصابه.

وقد تُطلق على الخطأ الكبير الشنيع من كبائر الذنوب، وعظائم الموبقات؛ ولذلك يقول إخوة يوسف: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُبنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف:97]، ولم يقولوا مخطئين؛ لأنهم كانوا تعمّدوا هذا الفعل، وأدركوا أن فِعلتهم فِعلة عظيمة، فاجتمع جانبا التغليظ: القصد، والشدّة.

ومن الناحية الشرعيّة يمكن تعريف الخطأ بأنه: ما كان مخالفاً للكتاب، أو السنة، أو إجماع الأئمة والعلماء، وهذا تعريف جيّد، وهو يخرج الأشياء التي لا تكون معارضة للكتاب، ولا للسنة ولا لإجماع العلماء، وإنما تكون اختلافاً للعلماء؛ فهذا لا يُوصف بأنه خطأ، وإنما يكون اختلافاً فيه قول قويّ وأقوى، وقد يكون منه راجح ومرجوح، أو قويّ وضعيف، لكن ليس من الحسن أن نحكم على أقوال أئمة وعلماء أنها خطأ محض، إلا في حالات نادرة لأقوال شاذّة أو مهجورة، ومخالفتها للنصوص ظاهرة، وهذا يعتبر استثناء.

أما ما يتعلّق بالاختلاف بين الأئمة والعلماء وتنوّع اجتهاداتهم، فهذه لا ينبغي أن يُستعمل فيها لفظ: خطأ وصواب، بل كلهم على خير وصواب، من جهة اتباعهم ما أمرهم الله به من الاجتهاد، وإن كانوا يتفاوتون في الوصول إلى ما أراده الشارع في مفردات المسائل.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث المتفق عليه: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ. وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» رواه البخاري ومسلم.

فأن يمنحهم الله سبحانه وتعالى أجراً على الاجتهاد، فهذا تشجيع لهم على أن يجتهدوا إذا كانوا ممن لهم حقّ الاجتهاد والبحث في هذه المسائل، فهنا لا نسمّي فعل من لم يصب الحقّ الذي عند الله خطأ من كل وجه، وإنما هو اجتهاد يُؤجر عليه صاحبه، وكونه خطأًعند الله فهذا أمر لا يستطيع البشر أن يحيطوا به علماً وجزماً.

يبقى أن ثمة أشياء قد تدخل فيما يظنّ الناس أنه صواب، من مألوفات اجتماعيّة، أو عادات، أو موروثات، وقد يعتبرون مخالفته خطأً، بينما الحقّ أنه هو الخطأ الذي يجب نفيه، مثل العصبيّات القبليّة، أو عدم توريث المرأة في بعض البيئات، وإكراهها على الزواج ممن لا تريد، أو عضْلها، أو فرض أنماط من التعرِّي بحجة مسايرة الناس أو جذب الخُطّاب.

فالإلف المستحوذ على حياة الناس، أو على عقولهم ليس معياراً في الخطأ والصواب.

والخطأ جزء من الطبيعة البشريّة وقد خُلق الإنسان خلقاً لا يتمالك كما في صحيح مسلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير