[المنهج إلى التذوق البلاغي للقصيدة العربية]
ـ[أبو الخير صلاح كرنبه]ــــــــ[28 Jul 2007, 10:47 ص]ـ
[المنهج إلى التذوق البلاغي للقصيدة العربية]
منهج فقه الشعر وتذوقه
فقه الشعر وتذوقه ونقده ليس فعلا إنسانيا تمارسه الدهماء بل هو عمل آدمى يعالجه الصفوة. وإذا ما كان عملا لا فعلا فهو قائم على علم وقصد واحتشاد، حتى يستحيل بالخبرة والدربة وطول المراس صناعة.
وهو لا يستحيل من كونه فعلا إلى كونه عملا ثم صناعة إلا إذا كان هنالك منهاج ينتهج يضبط الحركة، ويرصد الغاية.
وهو إذ يضبط إنما يضبط ضبطا متآخيا مع واقع ما ينتهج فيه وإليه، فلا يتعبد برسومه، ولكن يسترشد بمعالمه. ومن ثم لا تكون إقامة معالمه للتطبيق، بل للاستهداء به فى التحليل.
الدراسات التطبيقية لا تتواءم مع حقيقة البيان وطبيعته ومن ثم فإن المنهج التطبيقى لا أراه صالحا لقراءة الشعر وتذوقه ونقده.
المنهج التحليلى هو سبيل الرشاد إلى ذلك
ذلك بيان حقيقة المنهاج الواضح إلى قراءة الشعر: منهاج التحليل والتفصيل والتتبع لكل شئ. ورفض الإجمال والإبهام وهو حين يجعل القراءة البيانية للشعر قراءة تحليلية فاحصة كل مكوناته ومكنوناته واقفة على ما هو الحسن العلى وما هو من دون ذلك لا يرتضى من القارئ المحلل والمتذوق المفصل أن تكون دعامته فى الاستحسان والاستقباح من غير تبيان بواعث الاستحسان والاستقباح، وهذا لن يكون إذا كان موقفه قائما من الإحساس الذاتى غير الموضوعى.
المنهج الأمثل والأشرف ثلاثى الأبعاد: تحليلى تأويلى تعليلى، وكل هذا لابد أن يكون بلسان وعقل وقلب وهم عربى فمن شاء غير ذلك فقد أضل0وإن مناط التحليل … من ذلك البيان شامل كل مكوناته الصوتية والمعنوية ومكنوناته فيه وشامل أيضا السياق الخارجى (المقامى) وملابساته بمقدار ما يعين على حسن القراءة تحليلا وتأويلا وتعليلا.
بناء القصيدة العربية التى هى مرمى قصدنا هنا إنما هو قائم من أبعاد ثلاثة: التركيب والتصوير والتنغيم التركيب مفض إلى صورة، والصورة من تركيب وتنغيم والتنغيم لا يكون إلا من تركيب والتركيب فى نفسه مستويات. تركيب كلم من حروف وحركات وتركيب جمله نحوية من كلم وتركيب جملة شعرية من جمل نحوية وتركيب معقد من جمل شعرية وتركيب النص كله من معاقد، فهذه خمسة مستويات للتركيب.
وكل هذه المكونات الخاضعة للتركيب تشكل الصورة: صورة المعنى - وهو ما يسمى بالصورة العامة أو الصورة الفنية - وصورة الدلالة التى هى المعروفة عند البلاغيين بالصورة البيانية التشبيه والمجاز والكناية فلدينا ضربان من الصور: صورة مدلول وصورة دلالة أما الدال فهو مادة الصورة
كل هذا يكون مناط تحليل وتأويل وتعليل.
وكذلك التنغيم فى الشعر إنما يتولد من التركيب، وهو أيضا ضربان:
الضرب الأول: إيقاع نعم الحركات والأحرف فى الكلمة وإيقاع أنغام الكلم فى الجملة ... الخ وهو ما يعرف عند المحدثين بالنغم الداخلى
والضرب الآخر فى التنغيم فى الشعر هو إيقاع النغم الآتى من الوزن والقافية والرّوىّ.
كل ذلك يكون مناط القراءة التحليلية التأويلية التعليلية وغير خفى أن القارئ لن يكون فى تحليله وتأويله وتعليله على درجة سواء فى هذه الأشياء جميعها فيعدل فى قسم قراءته عليها.
فى القراء من يعنى بالتراكيب وليس فى كل مواطن التركيب ومنهم من يعنى بالتصوير وشئ من التركيب والتنغيم وقليل من عنى فى قراءة الشعر العربى بتحليل النغم وتأويله وتعليله.
وإذا ما نظرنا فى صنيع "عبد القاهر" محللا ومؤولا ومعللا. فإنا نجده قد اتخذ فى هذا موقفين:
(الموقف الأول) كان يشير فيه وبينه على مكان الخبيئ ليطلب والآخر كان يمارس هو بنفسه طلب ذلك الخبئ واستخراجه.
(الموقف الآخر)
إذا ما كان الذى مضى هو الموقف الأول، فإن الآخر كان فيه "عبد القاهر" لا يكتفى بالدلالة على معدن الحسن بل يمارس هو بنفسه استخراج ذلك الحسن وتحليل البيان وتذوقه.
وهذا كثير فى كتابيه: "الدلائل والأسرار" يجد المرء نفسه جدَّ مفتقر إلى أن يقيم معتكفًاعلى استبصار منهاجه فيهما.
ولعل الذى هو العلم فى هذا موقفه من أبيات "ابن الطثرية"المشهورة:
ولمَّا قضَينا منْ منًى كُلَّ حَاجَة=ومسَّح بالأرْكان مَن هُو ماسحُ
وشدَّت على دُهْم المَهارَى رحالُنا=ولَم ينظرالغَادي الَّذي هُو رائحُ
¥