تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[خطبة من المسجد الحرام بمكة المكرمة لفضيلة الشيخ: سعود الشريم مؤتمر الحج]

ـ[إمداد]ــــــــ[14 Dec 2007, 02:04 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة جمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة

لفضيلة الشيخ: سعود الشريم

بتاريخ: 6 - 12 - 1426هـ

وهي بعنوان: مؤتمر الحج

الحمد لله الكبير المُتعال، ذي العزة والجلال، خلق فسوى وقدر فهدى، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، وخليله وخيرته من خلقه، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، أفضل من صلى وصام وحج لله وقام، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابة الغر الميامين، وعلى التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله سبحانه وخشيته في الغيب والشهادة والاستقامة على دينه في الغضب والرضا والمنشط والمكره، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف:13].

أيّها المسلمون، حُجّاجَ بيتِ الله الحرام، ها أنتُم أولاءِ تجتمِعون في هذا المكانِ المبارك، وافِدين إِلى بلدِ الله الحرام، محرِمين ملبِّين، قاصِدين ربًّا واحِدًا، ولابِسين لِباسًا واحدا، وحامِلين شِعارًا واحدًا: لبّيك اللّهمّ لبيك، لبّيك لا شريكَ لك لبّيك، إنّ الحمدَ والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

إنّكم ـ أيّها الحجَّاج ـ باجتِماعِكم هذا تَعقِدون مؤتمرًا فريدًا، مؤتمرًا مِلؤُه السّمع والطاعة والرَّغبة والاستجابة لنداءِ الباري جلّ شأنه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]. فها أنتُم قد امتَثَلتم أمرَ ربِّكم، وتَرَكتم المالَ والأهل والولَد، وقطَعتم الفيافيَ والقِفار والمفاوزَ والبحار، في صورةٍ فريدة ومشهدٍ مدهِش، يستوي فيه صغيرُكم وكبيركم، وغنيُّكم وفقيركم، وذكرُكم وأنثاكم، فاشكروا الله على التّيسير، واحمدوه على بلوغِ المقصد وتهيئَةِ هذا النّسك المبارك، وأَروا اللهَ من أنفسكم توحيدًا خالِصا خاليًا من الشوائب الشركيّة والنزعات البدعيّة؛ فإنَّ البيتَ الحرام لم يُبنَ إلا للتوحيد وإخلاص العبوديّة لله سبحانه، ولم يُبنَ للشرك ولا للابتِداع ولا للخرافة والدّجَل، بل إنّ الله سبحانه قد أمر خليلَه إبراهيم عليه السلام أن يؤسِّس البيتَ العتيق على التوحيد والعبوديّة لله وحدَه، فقال جلّ شأنه: وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج:26].

ولذا كان الفهمُ الصحيح للسَّلَف الصالح من الصحابةِ والتابعين وتابِعيهم أنَّ عَرَصاتِ المناسِك إنما هِي مَحالٌّ للتّضرّع إلى الله وإخلاصِ النّسك له وفقَ هديِ النبي، فلم يكن لدَيهم لوثةُ التعلّق بالحجارة أو التبرّك بها أو قصدِ المزارات أو المشاهد أو القبورِ والدّعاء عندها؛ لأنهم يعلَمون علمَ اليقين أنّ النافع الضارّ هو الله سبحانه، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17].

ولِذا كان السّلف رحمهم الله لا يتبرَّكون بأحجارِ الكعبة ولا بِغيرها؛ لأنَّ النبيَّ لم يفعل ذلكَ، ولم يفعَله أصحابه رضوان الله عليهم، وإنما استَلَم الحجرَ الأسود وقبَّله ومسحَ بيده على الركن اليماني، ولم يستلِم بقيَّةَ أركان الكعبة، وقد أكَّد الخليفة الراشِد عمر بنُ الخطاب رضِي الله تعالى عنه ذلكَ بِقوله وهو واقفٌ أمامَ الحجر الأسود: (إني أعلم أنك حجَر لا تضرّ ولا تنفع، فلولا أني رأيتُ رسولَ الله يقبِّلك ما قبَّلتك).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير