كما مثُلت أمام المحكمة السيدة (وجيهة الحسيني) زوجة عبد القادر بحجة مساعدتها وإيوائها للثوار، وتحريضهم على القتال، وحكم عليها بالإقامة الجبرية في بيتها ببغداد مدة عشرين شهراً.
وعلى أثر اغتيال فخري النشاشيبي في شارع الرشيد ببغداد، اتُهم عبد القادر بتدبير خطة الاغتيال هذه، فبقي موقوفاً في بغداد قرابة السنة بهذه التهمة .. ثم نقل إلى معتقل العمارة، وهناك أمضى ما يقرب من سنة أخرى، حيث أفرجت الحكومة العراقية عنه في أواخر سنة 1943، بعد أن تدخل الملك عبد العزيز آل سعود ملك العربية السعودية. فتوجه إلى السعودية وأمضى فيها عامين بمرافقة أسرته.
وفي مطلع عام 1944 تسلل عبد القادر من السعودية إلى ألمانيا، حيث تلقى دورة تدريب على صنع المتفجرات وتركيبها، ثم انتقل وأسرته إلى القاهرة وهناك وبسبب نشاطه السياسي وصلاته بعناصر من حزب مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين، وتجميعه الأسلحة، وتدريبه الفلسطينيين والمصريين على صنع المتفجرات، أمرت حكومة السعديين المصرية بإبعاده .. لكن الضغوط التي مارستها القوى الإسلامية المصرية حالت دون تنفيذ ذلك الإبعاد.
عندما علمت الهيئة العربية العليا نية الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، سارعت الهيئة برئاسة المفتي أمين الحسيني إلى الانعقاد، وقررت مواجهة الخطط الاستعمارية الصهيونية بالقوة المسلحة، وتقرر إنشاء جيش فلسطين لممارسة الجهاد الفعلي، واختير المفتي قائداً أعلى لهذا الجيش وأعاد تموين منظمة الجهاد المقدس، ثم حولها إلى جيش الجهاد المقدس الفلسطيني. وأسند قيادته العامة إلى عبد القادر الحسيني، بالإضافة لمهمة الدفاع عن القدس ورام الله وباب الواد.
وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرارها القاضي بتقسيم فلسطين عام 1947، تسلل عبد القادر إلى فلسطين سراً مع بعض رفاقه، وفي نفس الوقت اجتاز الحدود الفلسطينية عدد من المجاهدين القادمين من سورية ولبنان، والتقوا جميعاً بعبد القادر، وأخذوا يرسمون خطة جديدة للبدء في المرحلة القادمة من الجهاد. فأعادوا تشكيل قوات الجهاد المقدس، واتخذت بلدة (بير زيت) مقراً رئيسياً لتلك القوات، وتألفت في حيفا والناصرة وجنين وغزة قوات أخرى تابعة لها.
تعتبر هذه القوات طليعة العمل النضالي العربي التي انبثقت تنظيماتها من صميم الشعب الفلسطيني، وكانت في الحقيقة أول مظهر من مظاهر القوات الشعبية التي تحمل في جوهرها صفة الجيش الشعبي في بلد كان يرزح تحت نير الاستعمار البريطاني.
قامت هذه القوات بتنفيذ جزء كبير من واجباتها، فقد تمكنت من إجبار (115) ألف يهودي على الاستسلام في مدينة القدس نتيجة حصارهم باحتلال مضيق باب الواد وإقفاله، وقاموا بعدة معارك محلية، ونصبوا مئات الكمائن للقوافل اليهودية والإنجليزية، كما قامت فرق التدمير بنسف العديد من المنشآت والمباني مثل معمل الجير، عمارة المطاحن بحيفا، وعمارة شركة سولل بونيه اليهودية.
كما خاضت هذه القوات بقيادة عبد القادر أروع ملاحم البطولة والفداء مثل معركة بيت سوريك، ونسف شارع ابن يهوذا، ونسف مقر الوكالة اليهودية، ومعركة الدهيشة ... وقد تكبد اليهود في هذه المعارك الخسائر الفادحة في الممتلكات، وقتل العدد الكبير منهم، وغنم المجاهدون الكثير من الأسلحة والعتاد والتي ساعدتهم على الاستمرار في نضالهم.
تكللت جميع معاركهم التي خاضوها ضد العدو الصهيوني والبريطاني بالنجاح، إلى أن كانت معركة القسطل التي دامت أربعة أيام بكاملها من 4ـ8 نيسان 1948، وانتهت بأن تمكن المجاهدون من انتزاع البلدة العربية من أيدي الصهاينة، إلا أنهم لم يمكثوا فيها سوى بضع ساعات، تمكن الصهاينة بعدها في خضم ذهول المجاهدين وتضعضعهم بسبب استشهاد قائدهم عبد القادر، من شن هجوم معاكس واحتلال البلدة من جديد.
استشهد عبد القادر صبيحة 8/ 4/1948، حيث وجدت جثته قرب بيت من بيوت القرية فنقل في اليوم التالي إلى القدس، ودفن بجانب ضريح والده في باب الحديد ... وسمي بطل القسطل، وقد استشهد رحمه الله وهو في الأربعين من عمره، أي في أوج عطائه الجهادي.
منقوووول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
ـ (موسوعة رجالات من بلاد العرب)، د. صالح زهر الدين، المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت، طبعة أولى 2001، ص (445ـ452).
¥