[الصورة النمطية لرجال الدين- دوافع و غايات]
ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[14 Mar 2008, 07:12 م]ـ
الصورة النمطية لعلماء الدين .. الدوافع والغايات
2008 - 03 - 14
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=6663&issueNo=73&secId=23
أحمد خيري العمري *
يقدم الإعلام صوراً نمطية لفئات مختلفة، فيها تعميم واختزال، بعضها يكون تنميطا سلبيا والبعض الآخر يكون تنميطا إيجابيا، يسهم هذا التنميط في تلقين المتلقي صورة ذهنية عن هذه الفئة أو تلك، ويجد هذا المتلقي نفسه محكوماً (إلى حد كبير) بهذه الصورة لاحقاً في تعامله «الواقعي» مع هذه الفئة، أي أن هذه الصورة تتحول إلى حكم مسبق (سلبي أو إيجابي) يطال هذه الفئة بشكل مباشر.
وعلماء الدين هم مثل أي فئة أخرى معرضون لهذا التنميط السلبي والإيجابي، فالإعلام الديني يقدم صورة نمطية مبالِغة في إيجابيتها لهذه الفئة، ولكن هذا الإعلام يظل محصوراً بفئة تظل أقل حجما من فئة المتابعين للإعلام الرئيسي العام، الذي دأب على تقديم نمط سلبي جدا للفقهاء، وإن كان بطريقة غير مباشرة أحيانا.
مثال على هذا التنميط هو «الشيخ متلوف» الشخصية الكاريكاتيرية في الصحف المصرية، التي كان يقدمها «عبد السميع» في «أخبار اليوم» وسواها، والمستوحاة أصلاً من تعريب لمسرحية موليير الشهيرة «تارتوف» والتي عبرت بصورة كوميدية عن رجل دين منافق، يدعي القيم والمثل العليا ويطبق نقيضها .. كذلك كان الشيخ متلوف، بعمامته البيضاء وطقمه الأزهري، بالصورة التي ألفناه فيها في السينما المصرية.
وإذا كان موليير قد قدم مسرحيته الأشهر، في أواسط القرن السابع عشر، كتعبير أدبي عن تلك المرحلة بالغة التوتر التي شهدت عصر التنوير فإن الشيخ «متلوف» - على الأقل بنسخته الكاريكاتيرية - لم يكن أكثر من مجرد سخرية مسطحة هدفها الإضحاك، وظفتها الحكومة المصرية - التي كانت (آنذاك؟!) في حالة مواجهة مفتوحة مع الإخوان المسلمين ووجدت في شخصية رجل الدين وسيلة للهجوم على كل من يتحدث عن الدين- لإلصاق صفة النفاق والرياء به.
لا مشكلة حقاً في الإقرار بوجود نماذج مقاربة للشيخ متلوف، أو ترتوف، أو حتى راسبوتين، على أرض الواقع، لكن ضمن سياق الطبيعة البشرية، المعرضة للخطأ والصواب، والميالة للخير كما للشر، وخريجو المدارس الشرعية، مثلهم مثل خريجي الطب والهندسة والقانون وإدارة الأعمال، هم مجرد بشر عاديين، وبعضهم وضعته علاماته الدراسية في سلك الدراسة هذا، دون أن يكون له اهتمام مسبق، لذلك فمن الظلم أن نطالب أيّاً منهم بأن يكون مثالاً للنزاهة والاستقامة بأكثر مما نطالب الطبيب أو المهندس والمحامي .. إنهم في النهاية بشر، وهناك هامش يمد ويجزر، يتقلص ويتوسع، للهوة الموجودة بين الفكر والسلوك، وهي هوة ملازمة لأي إنسان، ما دام إنساناً.
ليس هذا دفاعاً عن الفقهاء، فهذا آخر ما يحتاجون إليه، كما أنه آخر همومي شخصياً، لكني أود توضيح أن سياق الهجوم الإعلامي عليهم كان مرتبطاً بما هو أكثر من مجرد الهجوم «عليهم»، أي أن الوسائل الإعلامية - المملوكة للحكومة تماماً كما في مثال الشيخ متلوف- كانت تتخذ من الشيخ «متلوف» رمزاً لتيار أكبر منه، تيار إسلامي سياسي كان في حالة صراع مع السلطة، وقد استخدمت السلطة كل أسلحتها في الهجوم عليه، ومن ضمن أسلحتها كان «الشيخ متلوف» – الذي نجح، عبر تكراره الشكلي، وإن ليس بالاسم، في السينما والتلفزيون، في تكريس صورة نمطية «سلبية» لرجل دين لا أحد ينكر وجوده – لكن لا يجب أن ينكر أيضاً وجود صور أخرى بعضها بسلبيات أقل، وبعضها بإيجابيات أكثر.
من منكم لا يذكر صورته النمطية التي كرست عبر وسائل الإعلام، والتي ساهم في تكريسها البعض من الفقهاء أنفسهم للأسف عبر تقمصهم لشخصية الشيخ متلوف.
¥