[الاسلام و الديمقراطية: مشكلة القص و اللصق]
ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[17 Apr 2008, 02:56 م]ـ
الإسلام و الديمقراطية: مشكلة" القص و اللصق"
د. أحمد خيري العمري- مجلة العمران- اونتاريو كندا- عدد نيسان 2008
لم يأتنا الاستبداد من كوكب آخر, كما انه لم يكن مجرد ضيف عابر علينا ... لقد نشأ نتيجة لظروف معقدة و تداخلات تأريخية و وجد تربة خصبة من التحالفات التي وفرت له النمو و الحماية،ربما كان أهمها تطويع بعض النصوص القرآنية و النبوية و إخراجها من سياقها من أجل إيجاد شرعية للاستبداد و تطلب الأمر أحيانا اختراع نصوص أخرى من اجل تكريس المزيد من الاستبداد , وكل ذلك تراكم مع الفتاوى التبريرية و ضرب طوقاً من الحصانة و القداسة على مفهوم الاستبداد برمته.
وهكذا فان الاستبداد ليس مجرد علاقة بين طرفين (حاكم و محكوم) , بل هو منظومة ثقافية كاملة - شروط الاستبداد لا تغمر طرفاً واحدا فيها بل تغمر الجميع: حكاماً و محكومين .. إنها معادلة اجتماعية كاملة, الإطاحة بطرف واحد لن ينهي الاستبداد بل سيغير من شكله فقط، و سيفرز أشكالا و أنماطا جديدة منه.
كذلك فان الديمقراطية لم تأت الى أوربا من كوكب آخر و لم يستيقظ البريطانيون (أصحاب اعرق ديمقراطية حديثة في أوروبا) فجأة في (1969م) ليقوموا بأول اقتراع شارك فيه كل المواطنين" ذكورا و إناثا" فوق سن أل 18, بل استغرق الأمر أكثر من ستة قرون منذ أول تصويت شارك فيه كبار ملاك الأراضي فقط لينتخبوا أول برلمان في (1265 م) و زاد عددهم بالتدريج خلال القرون الستة بتقليل مساحات الأراضي المطلوبة للمشاركة في التصويت، لم يتمكن ذكر بالغ في بريطانيا لا يمتلك قطعة ارض من المشاركة في التصويت إلا في عام 1918 - أما المرأة بنفس العمر فقد انتظرت خمسة عقود أخرى إلى أن تمكنت من ذلك، أي إلى أن وصل الأمر للاقتراع العام بمفهومه الحالي ... هذه القرون الطويلة أنشأت مفاهيم و مؤسسات, و كونت منظومة ثقافية واضحة المرجعية , أنتجت ذلك الفرد الذي ذهب ليشارك في أول اقتراع عام .. فرد استغرق تكوينه أكثر من ستة قرون.
التصور إن "الفرد" الذي تكون عبر قرون الانحطاط و السلبية و تقديس الاستبداد، يمكن أن يتغير ليصير فردا آخرا بمجرد وقوفه إمام صندوق الاقتراع، هو تصور سطحي، يعتمد على إمكانية استنساخ نتائج التفاعل و نقلها دون شروطه و معادلته الأصلية, و الحديث الجاري عن توافق الإسلام و الديمقراطية الذي يصل عند البعض إلى حد "إن الإسلام هو الديمقراطية" لا يملك من الحقيقة أكثر مما تملكه الشعارات البراقة، ليس لأن الديمقراطية تتعارض – أو لا تتعارض- مع الإسلام، و لكن لأن الخوض في هذا كله يجب أن تسبقه مراجعة حقيقية لأسباب الاستبداد و جذوره العميقة التي تمتلك طوقا من الحصانة و القداسة يجعل مراجعتها يشبه التنقيب و الحفر في حقل من الألغام. من السهل طبعا القول إن الإسلام ضد الاستبداد و " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"- و ذلك صحيح لكن لا علاقة له بالديمقراطية طبعا - الأهم من هذا هو مراجعة أقوال و فتاوى أخرى تكرس و تبرر الاستبداد، غض النظر عن هذه الأقوال و عن مرجعيتها لن ينفي وجودها و إمكانية استنفارها في أي وقت طالما بقيت كامنة في العقل الجمعي.
و الحقيقة هي إن الديمقراطية في هذا السياق صارت تبدو كما لو أنها " هدفاً " بحد ذاته و ليست " وسيلة ". وقد عملت وسائل الإعلام على الترويج للديمقراطية بهذا الشكل و إسباغ صفات القداسة عليها , و اختزال نجاحات الحضارة الغربية و ازدهارها بربطها بالديمقراطية و رغم إن هذا كله بعيد عن العلمية و الموضوعية فالديمقراطية فصل من فصول التجربة الغربية و ليست فصلها الأوحد , و قد سبقتها فصول أهم مثل النهضة و التنوير و الإصلاح الديني و كلها أسهمت بطريقة أو أخرى في تعبيد الطريق لفرد يكون مؤهلاً لخوض تجربة الديمقراطية و كذلك فأن الترويج للديمقراطية يلغي أنها قد تؤدي أحيانا لنتائج كارثية , كما حدث عندما أفرزت هتلر (و آخرين من مشعلي الحروب الحاليين أيضاً وصلوا عن طريق الديمقراطية). كما إن الديمقراطية لم تنجح دوما في تحقيق الازدهار الاقتصادي على الأقل عندما طبقت خارج سياقها الحضاري , فاكبر ديمقراطية في العالم (الهند) لم تنجح في القضاء على الفقر
¥