تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اخترت لكم هذا المقال (2): للأدباء ذكرى لا تغيب!]

ـ[أحمد بن موسى]ــــــــ[09 May 2008, 11:18 م]ـ

بقلم صديقنا الأديب الأريب / ماجد البلوشي

للأدباءِ ذكرى لا تغيبُ، ولإبداعاتهم منزلةٌ لا تعفى ولا تنمحي. كنتُ اليومَ أُقلّبُ كتاباً خالداً من كُتبِ الأدبِ، عرفتهُ مُذ عرفتُ المعرفةَ والقراءةَ في سنيِّ الشبابِ الباسمِ، كتابٌ خلّدَ فيهِ مؤلّفهُ آثاراً كادتْ أن تبيدَ، وفيهِ من بقايا الأخبارِ ما أوشكَ أن ينساهُ أهلُ الزمانِ، ومن رحمةِ اللهِ بالخلقِ أن هيّأ لهم هذه الطروسَ والسطورَ، يجمعونَ فيها روائعَ ما يحفظونَ، ويخطّونَ في أسفارِها بدائعَ ما يقعُ لهم، حتّى صارَ العلمُ والأدبُ مُشاعاً، يملكُ كلُّ مُريدٍ مفاتحهُ. وإن شئتَ – يا قارئي – روضةً أريضةَ من كلامِ البلغاءِ في وصفِ الكتابِ وحالهِ، فلا أظنّكَ تجدُ أوفى وأوفرَ من نعتِ الجاحظِ لهُ، والجاحظُ على شدّةِ انحرافهِ في شأنِ العقيدةِ، إلا أنّهُ كانَ باقعةً في الأدبِ ووعاءً في المعرفةِ، قلَّ أن يقعُ لهُ نظيرٌ في كثرةِ جمعهِ واستيعابهِ وتفنّنهِ. يقولُ الجاحظُ واصفاً الكتابَ: " والكتاب وعاءٌ مُلِئَ علماً وَظَرْفٌ حُشِي ظَرْفاً وإناءٌ شُحِن مُزَاحاً وجِدّاً. إنْ شئتَ كان أبيَنَ من سَحْبانِ وائل، وإن شئت كان أعيا من باقِل، وإن شئتَ ضَحِكْتَ مِنْ نوادِرِهِ، وإن شئتَ عَجِبتَ من غرائبِ فرائِده، وإن شئتَ ألهتْك طرائفُه، وإن شئتَ أشجَتْك مواعِظُه،. وَمَنْ لَكَ بِوَاعِظٍ مُلْهٍ، وبزاجرٍ مُغرٍ، وبناسكٍ فاتِكٍ، وبناطقٍ أخرسَ وبباردِ حارّ ... . وعبتَ الكتابَ، ولا أعلَمُ جاراً أبرَّ، ولا خَليطاً أنصفَ، ولا رفيقاً أطوعَ، ولا معلِّماً أخضعَ، ولا صاحباً أظهرَ كفايةً، ولا أقلَّ جِنَايَة ً، ولا أقلَّ إمْلالاًوإبراماً، ولا أحفَلَ أخلاقاً، ولا أقلَّ خِلافاً وإجراماً، ولا أقلَّ غِيبة ً، ولا أبعدَ من عَضِيهةٍ، ولا أكثرَ أعجوبة ً وتصرُّفاً، ولا أقلّ تصلُّفاً وتكلُّفاً، ولا أبعَدَ مِن مِراءٍ، ولا أتْرَك لشَغَبٍ، ولا أزهَدَ في جدالٍ، ولا أكفَّ عن قتالٍ، من كتاب. ولا أعلَمُ قريناً أحسنَ موَافاة ً، ولا أعجَل مكافأة، ولا أحضَرَ مَعُونة ً، ولا أخفَّ مؤونةً، ولا شجرة ً أطولَ عمراً، ولا أجمعَ أمراً، ولا أطيَبَ ثمرة ً، ولا أقرَبَ مُجتَنى، ولا أسرَعَ إدراكاً، ولا أوجَدَ في كلّ إبَّانٍ، من كتابٍ. ولا أعلَمُ نِتاجاً في حَدَاثة ِ سنِّهِ، وقُرْب ميلادِه، ورُخْص ثمنهِ، وإمكانِ وُجودهِ، يجمَعُ من التدابيرِ العجيبَةِ، والعلومِ الغريبة، ومن آثارِ العقولِ الصحيحةِ، ومحمودِ الأذهانِ اللطيفةِ، ومِنَ الحِكَم الرفيعةِ، والمذاهب القوِيمةِ، والتجارِبِ الحكيمةِ، ومِنَ الإخبارِ عن القرون الماضية، والبلادِ المتنازِحةِ والأمثالِ السائرة، والأممِ البائدةِ، ما يجمَعُ لك الكتابُ ". إلى آخرِ كلامهِ، وهو من نفيسِ ما كتبهُ، انظرهُ وانظرْ أضعافهُ في المجلّدِ الأوّلِ من كتابهِ البديعِ " الحيوان ".

أقولُ: لقد كنتُ اليومَ أقلّبُ كِتاباً بديعاً من كُتبِ التراثِ التي نفخرُ بها، جمعَ مع مادّةِ الأدبِ أخباراً كثيرةً، فهو يسردُ فصولاً ساحرةً من مُتعِ البلاغةِ وأفانينِ الشعرِ ومنثورِ الحِكمِ، ويختالُ مزهّواً بذكرِ أخبارِ العباقرةِ من الأدباءِ المفوّقينَ وسِيَرَ النابهينَ ما بينَ ناثرٍ وشاعرٍ، يجعلُ ذلك كلّهُ في موضعهِ من ترجمةِ الأديبِ، ذلكم الكتابُ هو كتابُ " معجم الأدباءِ " لياقوت الحموي. هذا الكتابُ متعةٌ بحقٍّ، إن شئتهُ عبرةً وعظةً فهو كذلكَ، وإن أردتهُ مكاناً للاستجمامِ وجدتهُ، وإن رغبتَ في البحثِ عن فرائدِ الفوائدِ ومقتنصِ النوادرِ ألفيتهُ بحراً لا ساحلَ لهُ، لا أقولُ ذلكَ تبعيّةً دونَ علمٍ بهِ أو وعْي لما يحويهِ، فلقدُ سبرتُ غورهُ ووقفتُ على مكنونهِ، وهو ما جرّأني نصيحةَ إخواني على قراءتهِ والوقوفِ على مادّتهِ. وعلى ما في هذا الكتابِ من الإمتاعِ والمؤانسةِ، إلا أنَّهُ حفِظَ على النّاسِ وعاءً عظيماً من أوعيةِ البلاغةِ والأدبِ، ذلك الوعاءُ هو أبو حيّان التوحيديُّ، هذا الرّجلُ الذي أذهلَ النقّادَ والمؤرخينَ بسعةِ اطلاعهِ ووفرةِ مخزونهِ وتبحّرهِ في المعرفةِ والعلمِ، وزادهم ذهولاً حينَ أبانَ عن عبقريّةٍ لا مثيلَ لها في التصرّفِ بالكلامِ والتفنّنِ في طرقِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير