[مشروع النهضة و "الفرصة التاريخية"]
ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[21 Apr 2008, 06:40 ص]ـ
[مشروع النهضة و "الفرصة التاريخية"]
د. أحمد خيري العمري- جريدة العرب القطرية
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=10291&issueNo=110&secId=23
تمر الأفكار، بمختلف أنواعها، بأطوار هي أشبه بأطوار الاستحالة، تلج فيها من عالم هو أشبه بعالم العدم، ثم تنمو، وتزدهر، إلى أن تبلغ قمة نضجها واكتمالها ..
يحدث ذلك مع فكرة قد تكون فكرة مبدعة في رأس فنان مبدع، لكنه يطاردها، ثم يقتنصها، يتقمصها، يصيرها، وتصيره، إلى أن يستطيع أن يجسد الفكرة، بعمل متكامل ..
ويحدث أيضاً مع النظريات العلمية، يبدأ الأمر بفكرة قد تكون غريبة ومرفوضة وخارجة عن السرب – ثم تنمو، وتتطور، ومن طور إلى آخر، إذا بها قد صارت نظرية، سيكون لها أعداؤها، وأيضاً مناصريها، ومع الوقت إذا بها تدحض أعداءَها، ربما لا تضمهم إلى صفها بالضبط و لكنهم مع الوقت يقلون عددا، و من ثم تنجح لا في امتحان التطبيق فقط، بل في امتحان "الزمن" ..
كذلك الأمر مع الإيديولوجيات والعقائد، تبدأ كفكرة قد يرفضها السائد والمتعارف عليه اجتماعياً، فكرة منبوذة قد لا تثير غير الاستنكار، لكن مع الوقت، تتراكم حول الفكرة الأفكار، وتتلاءم معها، ويزيد المؤمنون بها، بعضهم يقدم المزيد من الأفكار، وآخرون قد يقدمون أكثر من الأفكار، قد يقدمون حياتهم – حرفياً – وأحياناً يقدمونها حتى بأعمق من تقديمها حرفياً .. وقد يتمكن ذلك التلاحم لاحقاً من إحداث ثغرة في جدار الواقع، وقد تكبر الثغرة لتصير شرخاً، ومن الشرخ تتسرب الإيديولوجية لتتشرب في الواقع ..
وليست "فكرة النهضة" ببعيدة عن هذا، إنها تمر أيضاً بمراحل وأطوار جزيئية، قد تدوم بعضها دهوراً، وقد يدوم بعضها الآخر ما هو أقل، إلى أن يحدث الظهور – الولادة ..
مراحل التشكل هذه، ليست مرتبطة بقانون واضح يضعها في إطار وقالب، قد تتمدد وتتقلص بحسب المحيط الأوسع، لكنها في مرحلة ما، ستوثر في هذا المحيط، وسيصير ساحة لتفاعلها .. ونموها ..
عن مراحل التخلق والتشكل هذه، عن أطوار الاستحالة التي تمر بها الفكرة، تحدثنا سورة الكهف، التي جرى العرف قراءتها كل جمعة، كما لو أنها تجعلنا نراقب هذا التشكل أسبوعياً، كما لو أن هذه القراءة تجعلنا أيضاً نرعاه، نهتم بإنمائه وبتغذيته، نحميه، نكون جزءاً منه، أو يكون هو جزءاً منا ..
سورة الكهف، بسياقها الأوسع، تجعلنا في خضم عملية تخلق واسع وممتدة، تجعلنا نتواصل مع أطوار الاستحالة تلك، تضعنا في تماس معها رغم أنها خارج الزمان والمكان، لكن نقطة التماس هذه، معنا، تستحضر وتستفز عملية التخلق، تقدح شرارتها "افتراضياً على الأقل" في أعماقنا ..
يبدأ الأمر من ذلك التعجب من التعجب {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً} [الكهف: 18/ 9] – فليس العجيب هو طور واحد من هذه الأطوار، ولكن الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو عملية التخلق ككل، هو هذا الانتقال الذي يحدث من طور إلى آخر، عبر القرون وعبر القارات ومن قبل أشخاص قد لا تربطهم أي رابطة مادية واضحة، غير رابطة المشاركة في أطوار الاستحالة ..
سنراهم أول شيء، أولئك الفتية الذين آمنوا بالفكرة، وستكون فتوتهم هنا رمز لشباب يكون دوماً هو أول من يعتنق الفكرة الجديدة ويؤمن بها، ربما لأنه يكون قد تعرض لتدجين أقل، ربما لأن هذا الجيل الجديد أكثر قدرة على رؤية الفساد والظلم في المجتمع القائم، ربما لأنه لم يفسد بعد، ولم يتورط بعد، ولم يصبح جزءاً من هذا العالم. ربما لأنهم لم يغتالوا الحلم فيه، لم يفقدوه إيمانه بقدرته على التغيير، لذلك نراهم هناك، في ذلك الطور الأول، آمنوا بربهم فزادهم هدى، وكان الشرك هنا ليس مجرد عقيدة فاسدة، بل كان منظومة واسعة من القيم والعلاقات الاجتماعية التي "الظلم" هو سمتها الأساسية، وكان هؤلاء الفتية، يغردون خارج السرب الاجتماعي القائم، وكانت منظومتهم الفكرية هي الأصدق والأكثر عدالة والأقرب إلى النسق الكوني – إلا أنها كانت نشازاً ضمن ذلك الواقع المحيط.وكما كان شباب حاملي الفكرة سبباً في قوتها، فقد كان أيضاً سبباً في ضعفها من جانب آخر: كان صغر سنهم سبباً في جعلهم يعتنقون الفكرة، لكنه كان سبباً أيضاً في رفض المؤسسات القائمة
¥