[ويستمر دور المجوس (مقال رائع بمناسبة أحداث لبنان)]
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[14 May 2008, 12:32 ص]ـ
د. محمد السيد
" تخليتم عنا ثلاثين عاماً، فصغرنا وكبر غيرنا! “، " نأتي إليكم فنأكل طعاماً لذيذاًً ونسمع كلاماً عاطفياً جيداً، ثم لا نجد أي شيْ على الأرض "، بهذه العبارات؛ أجابني اثنان من العلماء الكبار في لبنان، حين اتصلت بهما مستفسراً عن الأوضاع في لبنان.
لقد حوصرت بيروت وهوجمت ثلاث مرات، إحداها كانت على يد إسرائيل عام (1982م) والأخريان كانت على يد عناصر شيعية، إحداها كانت على يد حركة أمل عام (1985م)، وهذه الثالثة – وأرجو أن تكون الأخيرة - على يد حزب الله وحركة أمل أيضاً (وهما يشكّلان مجتمعتين وجهاً آخر لإسرائيل).
حين نسترجع التاريخ؛ نرى بوضوح أن هذا العنف المنظم الذي قام به حزب الله خلال الأيام الماضية، لم يكن وليد الصدفة، ولم يكن مسألة عشوائية قام بها بعض الغوغاء، بل نُظِم ورُتب بشكل منهجي أدى إلى ما أدى إليه. لأن المجوس – على مدار التاريخ – عمدوا إلى إسقاط المدن والدول الإسلامية، بدءاً من أبي لؤلؤة المجوسي، مروراً بابن العلقمي الذي أسهم في سقوط بغداد، والدولة الصفوية في إيران التي أسهمت في سقوط الدولة العثمانية، وانتهاءً بالعصر الحديث، حيث أسهموا من جديد في سقوط بغداد وتسهيل دخول الدبابة الأمريكية المحتلة، وهاهم الآن في بيروت، وإخوانهم الحوثيون في اليمن، ولا ندري عن القادم!.
ليس من قبيل الصدفة أن توقف قناة المستقبل وجريدة المستقبل وإذاعة الشرق، لأن هذه الوسائل الإعلامية كانت تنقل ما يحدث في بيروت بشكل دقيق، وبالتالي؛ فليس من مصلحة الحزب والحركة وحلفائهم أن تفضح تصرفاتهم من خلال الإعلام والبث الفضائي المباشر بالصوت والصورة.
ومرة أخرى يعيد التاريخ نفسه، فإثر أحداث مذبحة صبرا وشاتيلا، منعت حركة أمل – آنذاك - وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها من دخول المخيم ونقل الصورة المأساوية الحقيقية للمجزرة،فكُسرت الكاميرات وأُتلفت الأفلام، وصودرت من الصحفيين، وكان جلّ ما تناقلته وسائل الإعلام العربية منقول عن نظيرتها الغربية، التي اشتكت بدورها من ذلك، كما ذكرت صحيفة الصنداي تايمز آنذاك ..
لقد استطاعت قنوات المنار التابعة لحزب الله، و ( nbn ) التابعة لحركة أمل، وتلفزيون الجديد الشيوعي، و ( otv ) التابعة لميشال عون حليفهم، أن تفرض تعتيماً على الأخبار، كما قاموا بنقل الصورة التي أراد حزب الله نقلها إلى العالم، فأصبحتَ تشاهد هذه القنوات وكأنها تنبع من مشكاة واحدة.
وحتى قناة الجزيرة – التي يدير مكتبها في بيروت أحد القريبين من حزب الله وهو غسان بن جدو – استخدمت كل إمكاناتها في نقل الصورة التي أراد حزب الله نقلها، واقتصرت في غالب تغطياتها على طرف واحد دون نقل الصورة كاملة، ولم تكن كما تعلن في شعاراتها منبراً للرأي والرأي الآخر، بل كانت منبراً للرأي نفسه من أشخاص عدة!
لقد كان حزب الله يتغنى بأنه لن يوجه سلاحه إلى الداخل، وأنه حزب المقاومة لإسرائيل فقط، فصحونا بين ليلة وضحاها لنكتشف أن بيروت مدينة إسرائيلية جديدة، داهمها حزب الله وحركة أمل ليروعوا سكانها من "اليهود من أهل السنة "! الذين ناوئوهم خلال الفترة الماضية!، فأُقفل المطار، واقتُحمت المنازل، وروع الآمنون.
لا يخفى على فطنة القارئ الكريم أن هذه المدينة تضم أطيافاً من فئات المجتمع اللبناني مسلمين وغير مسلمين، وفيهم مناوئون لحزب الله، لكن حزب الله ترك كل هؤلاء لينقض كالأسد – بالأصالة عن نفسه و الوكالة عن حلفائه إيران وسوريا - على أهل السنة، فيقتل ويعتقل شباباً، ويقيدهم ويضعهم أمام كاميرات التلفزيون في حالة مزرية، وكأنهم أسروا أسيراً يهودياً!.
إن طبيعة أهل بيروت التسامح، فليس فيهم حقدٌ على الآخرين، وفي غالبيتهم لم يكونوا مسلحين، ولذلك فحين انقض الآخرون عليهم لم يستطيعوا الوقوف أمامهم أو التصدي لهذه الغزوة التي لم يحسبوا لها حساباً!
لقد غرقت بيروت في صمت مطبق كأنه صمت القبور من هول الصدمة، وأقفلت المحال أبوابها وخلت الطرقات من المارة، وامتلأت الشوارع بالنفايات البشرية التي شكلها المسلحون والنفايات المادية الخارجة من البيوت.
¥