ورحم الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقد عقد بابا خاصا في كتابه المبارك كتاب التوحيد بعنوان: باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا " أورد فيه قوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون " والحديث الصحيح " تعس عبد الدينار ... الحديث ومراده أوسع وأعمق مما ذكره حفيده العلامة سليمان بن عبد الله في قوله " إن المراد بهذا الباب " أن يعمل الإنسان عملاً صالحاً، يريد به الدنيا، كالذي يجاهد للقطيفة والخميلة ونحو ذلك " أ. هـ.
فهذا وإن كان داخلاً في المراد لكن تقييده به تضييق لمغزى أوسع، أحسب أن الشيخ المؤلف أراد إيضاحه، وهو أن أكثر الناس المسلمين وغيرهم جعلوا همهم وحرثهم وكدحهم وكبدهم للدنيا وحدها، فلا تتحرك قلوبهم ولا تنفعل إلا لها وبها، حتى أنهم لو دعوا الله وعبدوه فإنما يريدون بذلك زيادة الخير والبركة في الصحة والرزق، وهذا باب أوسع من باب فساد النية مع عمل صالح يفعله العبد المؤمن، فهذا الباب الأخير يصيب الصالحين ويعرض للمخلصين.
سابعا: استدراك على الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعريف الإيمان ص 228:
وبيان ذلك يتضح من خلال تأمل كلام أحد علماء السنة المحققين، وهو الحافظ ابن حجر رحمه الله، وهو من هو علما وفهما وإحاطة بأقوال السلف، فانظر إليه حين يقول شارحا ترجمة البخاري: وهو قول وفعل يزيد وينقص " فأما القول فالمراد به النطق بالشهادتين، وأما العمل فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح، ليدخل الاعتقادات والعبادات، ومراد من أدخل ذلك في تعريف الإيمان هو بالنظر إلى ما عند الله، فالسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص كما سيأتي، والمرجئة قالوا: هو اعتقاد ونطق فقط، والكرامية قالوا: هو نطق فقط، والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطا في صحته، والسلف جعلوها شرطا في كماله " أ. هـ.
قال المؤلف: فقارئ الكلام يفهم منه التناقض بين تعريفي السلف في موضوع العمل، فإنه في التعريف الأول: " قول وعمل " يعتبر ركنا، في حين أنه حسب التعريف الأخير: " اعتقاد وقول وعمل " ليس إلا شرط كمال فقط، ويفهم منه كذلك أن الفرق بين المرجئة والسلف أن السلف زادوا على تعريف المرجئة العمل، وجعلوه شرط كمال، وعليه فمن ترك العمل بالكلية فهو عند المرجئة مؤمن كامل الإيمان، وعند السلف مؤمن تارك لشرط الكمال فحسب، ويمكن أن يفهم منه أيضا أن تعريف المرجئة والمعتزلة أوجه من تعريف السلف، لأن المرجئة عرفوه بركنين، والمعتزلة بثلاثة، والسلف عرفوه حسب فهمه، بركنين وشرط كمال، والتعريفات إنما تذكر الأركان والشروط فضلا عن شروط الكمال.
والأهم من هذا ما سبقت الإشارة إليه من توهم انفصال الأجزاء الثلاثة، بحيث يتحقق الركنان: القول والاعتقاد، مع انتفاء العمل بالكلية، ولا يزيد صاحبه عن كونه ناقص الإيمان، مع أن السلف نصوا على أن تارك العمل بالكلية تارك لركن الإيمان.
ثامنا: استدراك على النووي رحمه الله في موقفه في القتال الدائر بين الصحابة، والذي تمسك به المستشرقون ص 258 أترك نقله لطوله.
تاسعا: تعقيب على كلام المستشرق " فان فلوتن " في ذكره مذهب جهم ص 270:
قال المستشرق في كلامه عن الثورات التي قامت بها الشعوب المفتوحة على المستعمرين: " على أن بعضهم أي الثوار، قد ذهب إلى أبعد من هذا، أي المطالبة بالعدالة الاجتماعية بزعمه، فضمنوا عقيدة التوحيد معنى أخلاقيا ودينيا " أ. هـ.
قال المؤلف: فما هو هذا المعنى الأخلاقي الذي لا تتضمنه عقيدة التوحيد، حتى أدخله فيها ثوار العجم؟ يشرحه قائلا ـ أي المستشرق فان فلوتن ـ: " وقد عزى جهم بن صفوان، أحد رؤوس المرجئة وكاتم سر الحارث بن سريج، هذه الكلمات: إن الإيمان عقد بالقلب، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية، وعبد الأوثان، أو ألزم اليهودية، أو النصرانية في دار الإسلام، وعبد الصليب، وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك، فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل، ومن أهل الجنة " أ. هـ.
قال المؤلف في الحاشية: يلاحظ أن هذا الكلام الذي نسبه ابن حزم لجهم (وللأشعري) هو لازم قوله، وليس من قوله أن اليهود والنصارى يعتبرون مؤمنين من أهل الجنة، ولكنه هوى هذا المستشرق لبني دينه، وأنهم كانوا محرومين من هذه الروح الأخلاقية الجهمية!!.
عاشرا: استدراك على المستشرق بروكلمان ص 278:
نقل المؤلف عن بروكلمان: " وفي تاريخ دمشق لابن عساكر ذكر عقيدة للمرجئة كان يدرسها محمد بن عشاقة الكرماني، في البصرة عن سفيان بن عيينة، عن وكيع بن الجراح، عن عبد الرزاق ن همام، عن أمية بن عثمان " أ. هـ.
قال المؤلف: لقد خان بروكلمان الأمانة العلمية حين أقحم كلمة المرجئة في نص مأثور من مصدر متداول مشهور، وخرج عن مهمته التي هي الوراقة والفهرسة، لينصب من نفسه حكما عقائديا في الخلاف بين فرق لا تنتمي إلى دينه، ولكن الحقيقة أنه متى سنحت الفرصة للدس على الإسلام فكل مستشرق أيا كان فنه، هو أستاذ متخصص.