تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن الناس من حضوره مرهون بوجوده وحياته؛ فهو عابر للقارات، فإذا مات نسي، ومنهم من كتب له خلود بعلمه وفكره وتجديده وتأليفه فهو عابر للقرون.

- أدركت كم نحتاج إلى تقديم الثناء والشكر والإعجاب لأولئك الذين يواصلون ويواصلون مهما اختلفت الأوضاع من حولهم، يمرون بالجبال والوديان والسهول والأنهار، ويقطعون الفيافي والقفار، ويصلون الليل بالنهار، يمرضون ويصحون، ويفرحون ويحزنون، ويتعرضون للمحن والرزايا والعقبات والمعوقات، ويبطئون السير أحياناً ويغذونه أحياناً، ولكنهم مواصلون

في قلوبهم رحمة الودود ..

في عطائهم كرم وجود ..

في وجوههم نضرة الخلود ..

إنهم مجاهدون ..

إنهم مرابطون.

- أدركت كم نأخذ من المقالب حين نتحدث عن إنجازاتنا بتفصيل دقيق ممل، وكم نصدّق ما يقوله الناس عنّا، ونظن أننا رسل الإنقاذ ومصابيح الهداية، وأن الكون من دوننا سيكون كئيباً والناس لن يطيقوا فقدنا!، يقول اليونانيون: " عندما تقوقي الدجاجة تظن أنها ستبيض قمراً سياراً "

مجاملات الآخرين لك قول طيب، بيد أنه لا يعني أنك استثناء في عالم الإنجاز والإبداع والتفكير، وعليك ألا تأخذه بكامل الجدية، بل فيه قدر من المجاملة اللطيفة.

وإحساسك بأهمية ما تؤديه لا يجب أن يصل بك إلى حد الغياب عن واقعية العمل، ومحدودية تأثيره، وكثرة معوقاته وممانعاته ومضاداته.

ولكي تدرك حجمك تذكر قائمة طويلة بأسماء النابهين والنابغين الآن، من رجال العلم والفكر والإدارة والمال والإعلام، وحدد موقعك بينهم.

وتذكر قوائم أكثر من الراحلين ممن كانوا ملء سمع الدنيا وبصرها، وربما لا تحلم أن تصل لأن تكون كواحد منهم ثم انطووا وانتهوا فأصبحوا سطراً في كتاب، أو كلمة في أحدوثة، أو غمروا فلم يذكروا، حين تتصفح التاريخ أو تشاهد الآثار، أهرامات الفراعنة، أو قصور الرومان، أو متاحف الفينيقيين، أو فلسفة الإغريق، ستتضاءل إلى جانب اسطوانة ضخمة، أو مدرج هائل، أو مقبرة مهيبة، أو سِفْرٍ هائل، وستعرف أكثر وأكثر كم أنت ذرة تائهة في الفضاء، وكم ينطوي فيك من العوالم والمعالم والأسرار، فإن تواضعت فأنت كبير، وإن تعاظمت فأنت وضيع:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر = على صفحات الماء وهو رفيع

ولا تك كالدخان يعلو محلقاً =على طبقات الجوّ وهو وضيع

حجم إنجازك يكبر حين تقربه إلى عينك, وربما غطى عنك الدنيا، ضعه في مكانه الصحيح يكن حادياً للعمل، محفزاً للعطاء، دافعاً للهمة، مع قدر من الإدراك الحسن ولا أقول التواضع، وكم عمل قليل تكثره النية الصالحة.

وبينا أهم بترك القلم وافتني رسالة تقول:

ما مسّك الدهر إلا مس مختبر =فما رأى منه إلا أشرف الخبر

فأقبل المجد يسعى نحوكم عجلاً = مسعى غلام إلى مولاه مبتدر

يا من تساق البرايا طوع راحته = موقوفةٍ بين قوليه خذي وذري

يا هادياً راق مرآه ومخبره =فكان للدهر ملء السمع والبصر

قالوا وقلت ولكن أين منك هم = النقش في الرمل غير النقش في الحجر!

فوجدتها -وإن كانت في ظني منقولة- كالمدامة تدير الرؤوس، وأدركت كم إن المديح يسكر ويفعل في النفوس فعل الحميّا!

فإذا كان قد غلا واشتد زبده فهو حرام؛ لأنه يغوي الإنسان عن حقيقته، ويحمله على الكبر والبطر، وفيم إعجاب المرء بعملٍ إن كان صالحاً فهو محض فضل من الله، وهو يسيرٌ قليلٌ إلى جنب نعَمِه ومواهبه وعطاياه، وإن كان غير ذلك فهو جسد بلا روح، ومظهر بلا مخبر؛

لا يُعجِبَنَّ مَضيماً حُسنُ بِزَّتِهِ =وَهَل يَروقُ دَفيناً جَودَةُ الكَفَنِ!

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[08 Apr 2008, 05:36 م]ـ

مقال جميل، من كاتب نبيل، وناقل ذواقة.

ـ[أمين الشنقيطي]ــــــــ[12 Apr 2008, 01:03 ص]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فهذه تحية وثناء لعضو ملتقانا الأستاذ محمد بن جماعة، سلمه الله، فمن لنا كمثله في العزم والإقبال على الملتقى، لايلقى عصاه سواء كانت من الشجرة، أم عصا النبي، فعصا النبي كانت عصا عند أحد معلمي القرآن الكريم وكان عندما يريد أن يخوفهم يرفع عليهم العصا ويقول سأضربكم بعصا النبي، وذات مرة قال تلميذ ياشيخ تقول عصا النبي وتخوفنا إنها عصا جئت بها من الشجرة، فأدرك المعلم ذكاءه فلم يخوفهم بها مرة أخرى، هذه القصة سمعتها قديما من الشيخ عطية سالم رحمه الله،

أخي الفاضل المبدع جزاك الله خيرا، وأهمس في أذنك إعجاب عدد كبير من رواد الملتقى بمشاركاتك، ولقد سمعت قريبا شيخا فاضلا وأستاذا كبيرا يثني على جهدك ومشاركاتك وافكارك،ويبدي إعجابه بها ودقة أطروحاتها، فسر على بركة الله، وفقني الله وإياك، وإخواننا الكرام في هذا الملتقى المبارك ملتقى أهل التفسير. آمين.

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[12 Apr 2008, 02:09 ص]ـ

يسعدني أن أسمع هذا، أخي الشنقيطي، وأدعو الله لي ولكم بالتوفيق والإخلاص في القول والعمل، وأن يغفر لنا ما لا يعلمه الناس ويجعلنا خيرا مما يظنون ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير