تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأنت أيها العاقل أعمل عقلك وأعمل فكرك في خلقك أنت وما أنت عليه، وتفكر فيما بين يديك من هذه المخلوقات، لتأخذ منها عبرة وموعظة تعلم بذلك قدرة الخالق وعظمة الباري سبحانه، وتعلم أن كل ذلك خلق لحكمة، وتخالف بذلك أهل الباطل، ولهذا قال الله تعالى: [[وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً]] ص:27، أي ما خلقناهما للهو والباطل [[وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ]] الدخان:38 - 39.

فالذين أتاهم الله تعالى عقولاً زكية، هؤلاء هم الذين يتذكرون ويتعقلون ويتفهمون وينظرون في حالهم وفي مآلهم، يتذكرون مبدأ خلق الإنسان من تراب، ثم من هذه النطفة وما تتطور به إلى أن يخرج للدنيا، ثم يهبه الله من هذه العقول والأفهام، إن هذا التفكير السليم يحمل أهل الإيمان على الإيمان بربهم إلهًا وخالقًا ومدبرًا، وعلى الامتثال لما أمروا به من العبادات، وعلى الاستعداد للموت ولما بعد الموت، وعلى العمل للدار الآخرة، ولهذا يحاسب كل عاقل نفسه ويعرف ما أمامه، جاء في الحديث: "الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"، وأن يتهم نفسه بالنقص والتقصير، ويحرص على تكميل النقص والخلل، وأما العاجز والمتكاسل فهو من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

وهكذا تعلم أن من وفق للتفكر فيما أمامه وما خلق له، هو الذي على الحق، عندها ستشكر سعيك وتحمد ربك الذي أعانك، وعلمت أنك من أهل الخير، حيث تقوم بحق العبادة التي خلقت لها، ألا وهي العبادة المذكورة في قوله تعالى [[إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]] الفاتحة:5، وفي قوله تعالى: [[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ]] البقرة:21، أي وحدوه وأطيعوه، عندها يكون الإنسان من أهل العبادة ومن أهل العقول الزكية، ويرتقي بذلك عن درجة البهائم، وعن أولئك الذين أوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً، أوتوا عقولاً وما أوتوا فهومًا، أوتوا سمعًا وأبصارًا وأفئدة، فما أغناهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء، إذ كانوا يجحدون بآيات الله وكانوا عنها غافلين، فهم مثل ما وصف الله المنافقين: [[صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ]] البقرة:18، وكما شبه الله الكفار بالغنم التي تسمع الراعي إن نعق: [[وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ]] البقرة:171، الغنم والبهائم إذا نعق لها الراعي تتبعه، ولكنها لا تفهم ما يقول، لو قال لها قفي أو أسرعي أو سيري ما تفهم ذلك، فمثل الله الكفار بهذا ثم قال: [[صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ]] البقرة:18، مع أن لهم أسماعًا لكن لا يسمعون الشيء الذي يفيدهم، ولهم أعين لا ينظرون بها نظر عبرة، ولهم عقول لا يتفكرون بها فيما خلقوا له ولا فيما بعد الموت، ولهم ألسن فصحاء يتكلمون ولكن لا يتكلمون في الشيء الذي يفيدهم، فكأنهم سلبوا الأشياء، فهم بكم عمي لا يعقلون، يحرص العاقل أن لا يكون مثل هؤلاء والعياذ بالله فيحرص على أن يستعمل جوارحه فيما خلقت له.

نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

قاله

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

المصدر: موقع الشيخ ابن جبرين

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير