تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيها بينما نجحت الصين (ذات الحكم الشمولي البعيد عن الديمقراطية) في أن تحقق قفزة اقتصادية هي الأهم و الأكبر في الاقتصاد العالمي.

ليس هذا طبعاً ترويجاً للاستبداد , فليس هناك ما هو أبغض منه إلا ذلك التصور انه لا بديل عنه سوى "النقل الحرفي" للنتائج الأخيرة لتجارب الآخرين وهو نقل ينفي وجود اختلافات في طبيعة المجتمع , ليس اقلها وجود اختلاف كبير في نسب التعليم و الأمية , الأمر الذي سيفرز طبقة واسعة من الناخبين الأميين أو قليلي التعليم الذين يسهل جرهم الى صندوق الاقتراع لهذه الجهة أو تلك وسط نزعات و واجهات انتخابية تستفز العقل- أو اللاعقل؟ - (الطائفي أو العشائري أو العرقي) و سينتج عن ذلك كله تهميش للطبقة الأكثر وعياً , الطبقة الوسطى -" الهشة " أصلاً في مجتمعاتنا -التي ستجد نفسها في موقف لا تحسد عليه , و ستترحم على مكاسبها النسبية " الضئيلة أيضا " أيام الاستبداد و هو أمر كان يمكن تداركه ليس عبر الإبقاء على الاستبداد و لكن عبر إحداث تغيير في آليات الانتخاب بطريقة تضع الاعتبارات السابقة في الحسبان أكثر مما تضع الحرفية في النقل كاعتبار ...

" و النقل الحرفي " للآليات الديمقراطية , يتجاوز حقيقةً إن الفرد عندنا , الذي هو النتاج الأخير لثقافة سلبية نتجت في عصور الانحطاط , سيتفاعل هو و مفاهيمه مع صندوق الاقتراع بطريقة مختلفة تماما عن فرد "النسق الحضاري الغربي" فمن السهل، على سبيل المثال، أن يتم إقناع هذا الفرد بان ينتخب من اجل الفوز بالآخرة و ليس من اجل الوصول الى حكومة تقدم " دنيا أفضل " و هذا أمر اخطر مما قد يبدو للوهلة الأولى، فحكومة انتخبتها من اجل الآخرة لن تتمكن من محاسبتها على إنها لم تقدم لك " دنيا أفضل " , كما إن فشلاً لهذه الحكومة قد يفسر بنفس الآلية على انه "ابتلاء و امتحان من الله عز و جل"،و هو أمر سيجعلنا ندور في حلقة مفاهيم مفرغة لن تخترق بدورة أو دورتين يؤدي فيها الفشل إلى إعادة لتقييم المفاهيم السلبية , فهذه المفاهيم تكونت عبر القرون و هي محصنة " ظلماً " بتأويلات معينة للنصوص الدينية , و الوقت وحده-مهما طال- لن يكون كفيلا بحلها و إزالتها ....

هذه المفاهيم تحتاج إلى "ثورة ثقافية شاملة " منطلقة من القرآن الكريم و السنة الثابتة تطهر و تنقي ما علق من مفاهيم سلبية نتجت من عصور الانحطاط المتأخرة و تتمخض عن ولادة إنسان مسلم جديد فاعل و ايجابي و قادر على أداء واجبه بتوازن مع مطالبته بحقه و ليس من المطلوب من ثورة ثقافية بهذا المستوى أن تتبع خطوات الإصلاح الديني اللوثري الكالفيني حذو القذة بالقذة و لا حتى أن تصل إلى نفس النتيجة التي وصلت لها " الديمقراطية " الغربية بل أن تكون اقرب لمنطقاتها و أهدافها القرآنية و تنتج وسائلها وآلياتها الخاصة بها.

في خضم ذلك ليس من المعقول من الإسلاميين أن ينسحبوا من المشاركة السياسية بحجة انتظار الثورة الثقافية " التي ستتحول الى شيء يشبه المهدي المنتظر في هذه الحالة " لكن من المطلوب أن تكون مشاركتهم محكومة بالسياقات التي مر ذكرها فرهان الإسلاميين " الحالي " على الجماهير يجب أن لا يستمر الى ما لا نهاية كما انه لا يجب أن يعتمد على شعارات غير واقعية تحمل إمكاناتهم ما لا تحتمل, في الوقت نفسه هناك حدود واقعية لقواعد الديمقراطية يجب أن يضعها الإسلاميون في اعتبارهم فشرعنة الديمقراطية يجب أن تظل غير مطلقة و إلا تعارضت مع شرعيات أخرى لها الإطلاق في مرجعية الإسلاميين أنفسهم و خلال ذلك يجب أن تبقى الديمقراطية "وسيلة" لا "هدف" و يجب أن يرد الإسلاميون بأنفسهم عن السؤال: هل يمكن أن تكون الديمقراطية وسيلة للنهضة أم إنها مجرد تداول سلمي للسلطة في مرجعية تكرس التبعية و الهيمنة؟

مشكلة اسلمة الديمقراطية (أو دمقرطة الإسلام) الحالية هي مشكلة" قص و لصق "، من السهل جدا إجراؤها على ملف الكتروني تجمع فيه الديمقراطية و الإسلام معا- لكن من الصعب الوصول إلى نفس النتائج على ارض الواقع .. خاصة عندما يكون لكل منهما شيفرته الخاصة به ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير