تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو الخير صلاح كرنبه]ــــــــ[26 Apr 2008, 08:19 م]ـ

القاضي عياض مؤرخًا

ودخل القاضي ميدان التاريخ من باب الفقه والحديث، فألَّف كتابه المعروف " تدريب المدارك"، وهو يُعَدُّ أكبر موسوعة تتناول ترجمة رجال المذهب المالكي ورواة "الموطأ" وعلمائه، وقد استهلَّ الكتاب ببيان فضل علم أهل المدينة، ودافع عن نظرية المالكية في الأخذ بعمل أهل المدينة، باعتباره عندهم من أصول التشريع، وحاول ترجيح مذهبه على سائر المذاهب، ثم شرع في الترجمة للإمام مالك وأصحابه وتلاميذه، وهو يعتمد في كتابه على نظام الطبقات دون اعتبار للترتيب الألفبائي؛ حيث أورد بعد ترجمة الإمام مالك ترجمة أصحابه، ثم أتباعهم طبقة طبقة حتى وصل إلى شيوخه الذين عاصرهم وتلقى على أيديهم.

والتزم في طبقاته التوزيع الجغرافي لمن يترجم لهم، وخصص لكل بلد عنوانًا يدرج تحته علماءه من المالكية؛ فخصص للمدينة ومصر والشام والعراق عناوين خاصة بها، وإن كان ملتزما بنظام الطبقات.

وأفرد لعلمائه وشيوخه الذين التقى بهم في رحلته كتابه المعروف باسم "الغُنية"، ترجم لهم فيه، وتناول حياتهم ومؤلفاتهم وما لهم من مكانة ومنزله وتأثير، كما أفرد مكانا لشيخه القاضي أبي على الحسين الصدفي في كتابه "المعجم" تعرض فيه لشيخه وأخباره وشيوخه، وكان "الصدفي" عالمًا عظيما اتسعت مروياته، وصار حلقة وصل بين سلاسل الإسناد لعلماء المشرق والمغرب؛ لكثرة ما قابل من العلماء، وروى عنهم، واستُجيز منهم.

... أديبًا

وكان القاضي أديبًا كبيرًا إلى جانب كونه محدثًا فقيهًا، له بيان قوي وأسلوب بليغ، يشف عن ثقافة لغوية متمكنة وبصر بالعربية وفنونها، ولم يكن ذلك غريبًا عليه؛ فقد كان حريصًا على دراسة كتب اللغة والأدب حرصه على تلقي الحديث والفقه، فقرأ أمهات كتب الأدب، ورواها بالإسناد عن شيوخه مثلما فعل مع كتب الحديث والآثار، فدرس "الكامل" للمبرد و"أدب الكاتب" لابن قتيبة، و"إصلاح المنطق" لابن السكيت، و"ديوان الحماسة"، و"الأمالي" لأبي علي القالي.

وكان لهذه الدراسة أثرها فيما كتب وأنشأ، وطبعت أسلوبه بجمال اللفظ، وإحكام العبارة، وقوة السبك، ودقة التعبير.

وللقاضي شعر دوَّنته الكتب التي ترجمت له، ويدور حول النسيب والتشوق إلى زيارة النبي (صلى الله عليه وسلم)، والمعروف أن حياته العلمية وانشغاله بالقضاء صرفه عن أداء فريضة الحج، ومن شعره الذي يعبر عن شوقه ولوعته الوجدانية ولهفته إلى زيارة النبي (صلى الله عليه وسلم):

بشراك بشراك فقد لاحت قبابهم

فانزل فقد نلت ما تهوى وتختار

هذا المحصب، هذا الخيف خيف منى

هذي منازلهم هذي هي الدار

هذا الذي وخذت شوقًا له الإبل

هذا الحبيب الذي ما منه لي بدل

هذا الذي ما رأتْ عين ولا سمعت

أذْنٌ بأكرمَ من كَفِّهِ إن سألوا

ولا يمكن لأحد أن يغفل كتابه العظيم "الشفا بأحوال المصطفى" الذي تناول فيه سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقصد من كتابه إحاطة الذات النبوية بكل ما يليق بها من العصمة والتفرد والتميز عن سائر البشر، في الوقت الذي كانت فيه آراء جانحة تخوض في مسألة النبوة، وتسوِّي بين العقل والوحي. ولما كان النص الشرعي مصدرًا أساسيًا للمعرفة وأصلا لا يحتمل النزاع فيه متى ثبت بالسند الصحيح، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) مصدر هذه المعرفة، فقد انبرى القاضي عياض ببيان مقام النبوة وصيانته من كل ما لا يليق به.

وفاته

عاش القاضي عياض الشطر الأكبر من حياته في ظل دولة "المرابطين"، التي كانت تدعم المذهب المالكي، وتكرم علماءه، وتوليهم مناصب القيادة والتوجيه، فلما حلَّ بها الضعف ودبَّ فيها الوهن ظهرت دولة "الموحدين"، وقامت على أنقاض المرابطين، وكانت دولة تقوم على أساس دعوة دينية، وتهدف إلى تحرير الفكر من جمود الفقهاء والعودة إلى القرآن والسنة بدلاً من الانشغال بالفروع الفقهية، وكان من الطبيعي أن يصطدم القاضي عياض -بتكوينه الثقافي ومذهبه الفقهي- مع الدولة القادمة، بل قاد أهل "سبتة" للثورة عليها، لكنها لم تفلح، واضطر القاضي أن يبايع زعيم "الموحدين" عبد المؤمن بن علي الكومي.

ولم تطُلْ به الحياة في عهد "الموحدين"، فتوفي في (9 من جمادى الآخرة 544 هـ = 14 من أكتوبر 1149م)


من مصادر الدراسة:
• ابن بشكوال: كتاب الصلة ـ الدار المصرية للتأليف والترجمة ـ القاهرة ـ 1966م.
• القاضي عياض: ترتيب المدارك ـ تحقيق أحمد بكير محمود ـ مكتبة الحياة ـ بيروت ـ بدون تاريخ.
محمد الكتاني: القاضي عياض، الشخصية والدور الثقافي ـ مجلة الدارة ـ العدد الرابع ـ السنة السادسة عشر ـ 1411.

انتهى (منقول)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير