تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وقد اعتمدت في عرض الأحكام الفقهية التي أوردتها في هذا البحث على المذهب المالكي الذي ارتضاه المغاربة مند قرون عدة, وخدموه ونشروه ونصروه راعيا ورعية, حتى صار إحدى السمات التي تميزهم عن غيرهم, في ماضيهم وحاضرهم, اعتمدت هذا المذهب لا لأنني متعصب له تعصبا أعمى, أو مناوي للمذاهب الفقهية الأخرى, ولكن لكونه مذهبا جمع كلمة الأمة المغربية قرونا, ووحد صفوفها أزمانا, ولكونه أيضا مذهبا فقهيا يتسم باليسر والاعتدال ويتميز بتعدد الآراء, ويعرف بتتبع الاستنباطات ووفرة الأقوال مما ييسر على معتنقيه أمر دينهم ويوسع عليهم الدائرة في عبادتهم ومعاملاتهم, ولذلك أتجاوز أحيانا أقواله المشهورة وأرجح غيرها إن رأيت فيها اليسر والتخفيف, ولا أستورد الأقوال خارج المذهب إلا عند من أشم فيها رائحة السماحة والتيسير. وهكذا أوردت جل الأحكام التي ....... إلى آخر الكلام"1.

أقول وبالله التوفيق إن ملامح هذا النهج المحدث ـ الذي توخّيته في بحثك ووضعت لبناته واحدة فواحدة حتى أبصر وجه النهار ـ ملامحُ غير مقبولة لمسايرتها للعقل وانحيازها له بذريعتي التسامح واليسر, و لذا فإنها تبدو نظيرة لما نهجه عقلانيو الأشاعرة في هذا الزمن, وصرفوا بواسطته جل أصول الفقه المعلومة, حيث إنهم آثروا عقولهم على نصوص الكتاب والسنة تارة, و على الإجماع تارة أخرى, فأوّلوا الأحاديث الصحيحة وأخرجوها عن دائرة المراد, إلى أن ضربوا في النهاية بالحق ضربا أفسدوا به دينهم, ثم من بعد دين غيرهم من الجهلة الأميين, وكأني بهم والله في هذا الشأن على صراط ذوي العقول الضّيقة, القاصرة أفاهمها, حيث أنهم استوردوا دساتير الغرب ووضعوها للناس هيكلا يعبد من دون الله سبحانه جل وعلا, ظنًا منهم أنها أرحم وأرفق بالمجتمع والحضارة, فكان أن غاب عنهم ما غاب من علم الله تعالى, الذي جعل كتابه شرعًا ومنهاجًا ورحمة للورى. وسواء علم الأولون طوام الآخرين أو لم يعلموا شنيعَهَا, فالظاهر أن كلا الفريقين لم يفقه حقيقة أن فساد الأصل يلزم فساد الفرع, كما أن مخالفة النقل لا يرشد العقل و لا يهديه إلى الصواب, إلا بالقدر الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

وأقول أيضا, هل كان ديننا الحنيف في يوم من أيام الله عسرا عسيرا, حتى نستمدّ الأحكام اليسيرة والاجتهادات السمحة من بطون المؤلفات؟ التي مال بها أصحابها في بعض المسائل دون بعض, لعدم معرفتهم بالدليل أحيانا أو لعدم صحته و رسوخه واستقراره في أفهماهم أحيانا أخرى, أو لتقديم المقاصد الشرعية على النصوص الثابتة حجيتها في المسألة المعينة, وهل من الدين المنزل من عند العزيز العليم, أو من الإصلاح والاجتهاد المزعومين حَيْكُ مبادئ حديثة و رؤى بدعية جديدة, كي نروّج لها عبر الفضائيات والإذاعات ونملأ به الكتب والصحف والمجلات, ونمجّ بها في أسماع البريّة من أعالي المنابر, مدّعين بذلك أنها من روح الإسلام الغابر, زاعمين أنها عين السماحة و ذروة الوسطية التي أمرنا به ديننا وشرعها لنا ربنا.

ولما كانت مفسدة المنطق تجلب ما قد يبدو أنه من المصلحة أكثر منها من المصلحة التي ضُبطت في النصوص الشرعية, لما كانت هذه المفسدة واضحة المعالم فإنّ تعين الوسطية بمعايير العقل وحده لممّا يبخس الوسطية دقة الإيضاح وسلامة المعنى, الواردين في كتاب الله و سنة رسوله, وذلك لأن العقل البشريَّ يختلف من فرد لآخر وبالتالي اجتهاد الفقيه إذا أسس على ضوابط منطقية بحتة أو وُضع موضعًا يقوم عنده العقل فيه محل النصوص الشرعية, ولذا ولأسباب بديهية أخرى فلابد أن تكون الوسطية معنى شاملا مستوحىً من كتاب الله وسنة رسوله, على مراد الله ورسوله, لا مراد العقل البشري المحدود والحس الميكافيلي وفقه ابن الرومي2 ومحمد عبده العقلاني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير