الأول: قوله (تكرر نظائره في القرآن، كقوله تعالى: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ... َ) (فصلت:5) ..... ).
في هذا الوجه معنى دقيق يجب التنبه له و هو هل قول اليهود (قلوبنا غلف) و قول كفار قريش ((وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ... َ) هل هو ذم لأنفسهم أم مدح لها؟
و هل قولهم هذا مع ظنهم أنهم على الحق أم اعتقادهم أن على الباطل؟.
فقولهم هذا هو حقيقة رد لدعوة النبي صلى الله عليه و سلم مع اعتقادهم أنهم على الحق و ظنهم بطلان نبوة النبي صلى الله عليهم و سلم فهو إذن مدح لأنفسهم لا ذم لها فمن غير من المعقول أنهم أرادوا بهذا ذم انفسهم و اعتقادهم و أنهم لا يعون و لا يفقهون فقولهم هذا حكاية عما يعتقدونه في هذه الدعوة.
الثاني: قوله (ومما يرجح هذا القول أيضاً ما جاء في الحديث المرفوع عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح .... } الحديث، وفيه: وأما القلب الأغلف فقلب الكافر ..... ).
مما يعين على فهم كتاب الله تعالى النظر إلى سياق الآيات فمتى ما كان المعنى مما يسوغ لغة و شرعا و سياق الآية أو الآيات يدل عليه و لم يكن هناك مرجح في تفسير الآيات أقوى منه حكم له أي لسياق الآية.
فالغلف لغة يكون لكل ما كان له غلاف فيمكن أن يكون غلافه الحكمه و العلم و يمكن أن يكون غلافه الكفر و الشرك فسياق الحديث واضح بأن هذا القلب الأغلف مغلف بالكفر.
و آية البقرة و النساء سياقهما من قول اليهود فمن غير المقبول أنهم ينسبون لأنفسهم غلاف الكفر و هو من أكثر الناس مدحا لأنفسهم كما ذكر الله تعالى عنهم في كتابه الكريم.
ثم إن الله تعالى رد عليهم قولهم فلو كان مرادهم أن قلوبهم مغلفه بالكفر لما رده الله تعالى لأن هذا حق و حقيقه قررها الله تعالى في كتابه في أكثر من آية.
الثالث: قوله (أن القراءة الدالة على هذا المعنى هي القراءة التي عليها جمهور القراء -كما سبق-، والقراءة التي تدل على المعنى الآخر قراءة شاذة. ولا شك أن معنى القراءات المتواترة أولى بالصواب من معنى القراءة الشاذة.).
المعنى الذي رجحناه تدل عليه كلا القراءتين فالجمع بين القراءتين أولى من ترك إحداهما و هذه القاعدة تصح لو كان هناك اختلاف تضاد في المعنى و لكن ما رجحناه تدل عليه كلا القراءتين.
فكل شئ له غلاف فهو أغلف قال ابن منظور في اللسان (الغِلاف الصِّوان وما اشتمل على الشيء كقَمِيص القَلْب وغِرْقِئِ البيض وكِمام الزَّهْر وساهُور القَمر، والجمع غُلُفٌ و الغِلافُ غلاف السيف والقارورة، وسيف أَغْلَف وقوس غَلْفاء وكذلك كل شيء في غِلاف ... ).
و قال (وقلب أَغْلفُ بيِّن الغُلْفة كأَنه غُشِّي بغلاف فهو لا يَعِي شيئاً. وفي التنزيل العزيز: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ وقيل: معناه صُمٌّ، ومن قرأَ غُلُفٌ أَراد جمع غِلاف أَي أَن قلوبنا أَوْعِية للعِلم كما أَن الغلاف وِعاء لما يُوعَى فيه ... ).
فائدة قال ابن كثير رحمه الله (وقد اختلفوا في معنى قوله {فقليلاً ما يؤمنون} وقوله: {فلا يؤمنون إلا قليلاً} فقال بعضهم: فقليل من يؤمن منهم، وقيل: فقليل إيمانهم بمعنى أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب ولكنه إيمان لا ينفعهم لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد صلى اللّه عليه وسلم وقال بعضهم: إنما كانوا غير مؤمنين بشيء وإنما قال: {فقليلاً ما يؤمنون} وهم بالجميع كافرون كما تقول العرب: قلَّما رأيت مثل هذا قط نريد ما رأيت مثل هذا قط)
و للحديث بقية إن شاء الله تعالى للتعليق على باقي الترجيحات.