المبحث الرابع: دراسة هذه الآيات موضع التخطئة
أولا: قوله تعالى في سورة طه: (فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما) الآية (62 - 63)
القراءات في هذه الآية:
أولا قرأ أبو عمرو بن العلاء (إنّ هذين لساحران)
ثانياً: القراءة بتسكين النون من (إن)
أ - قرأ ابن كثير بتسكين النون (إن ْ هذانّ) وكذا بتشديد النون من هذان
ب - قرأ حفص عن عاصم (إن هذان لساحران) بسكون النون من (إن) وتخفيفها من (هذان)
ثالثاً: قرأ بقية القراء (إنّ هذان لساحران) بتشديد النون من (إن) (وهذان) بالألف. فهذه أربع قراءات متواترة في هذه الآية الكريمة، ولم تذكر كتب القراءات فيها أي قراءة شاذة غير أن الرازي في التفسير قد ذكر مجموعة من القراءات التي لم تذكر في كتب القراءات فيما اطلعت عليه – وإنما هي من قبيل التفسير – وذكر من بينها معظم القراءات المتواترة، ولكنه رحمه الله أغرب إذ عقّب على ذلك قائلاً: فهذه هي القراءات الشاذة في هذه الآية. وكان رحمه الله اعتمد قراءة حفص (إنْ هذان لساحران) وعد الباقي شاذاً، وهي هفوة غير مرتقبة من إمام كبير
هذا وهذه القراءات المتواترة ليس فيها إشكال إلا ما روي في قراءة أهل المدينة والكوفة (إنَّ هذان لساحران) حتى قيل: إن أبا عمرو بن العلاء قال: إني لأستحيي من قراءتها على هذا الوجه.
وقد أجاب العلماء عن هذه القراءة أجوبة عديدة نلخصها بما يلي:
القول الأول: إنها لغة من لغات العرب المشهورة المعروفة
القول الثاني: أن تكون (إنّ) بمعنى نعم
القول الثالث: أن الألف من (هذان) دعامة وليست من أصل الفعل. قال الفراء كما في تفسير القرطبي: وجدت الألف دعامة وليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها.
القول الرابع: قول بعض نحاة الكوفة: إن الألف في (هذان) مشبهة بالألف في يفعلان، فلم تغير.
القول الخامس: إن الجملة فيها ضمير الشأن المحذوف وتقديره (إنه هذان لساحران)
القول السادس: قول ابن كيسان: لما كان يقال (هذا) في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد، أجريت التثنية مجرى الواحد. هذه هي أجوبة المفسرين والنحاة على هذه الآية، تجد هذا مبسوطا في المصادر التالية:
والمتأمل لهذه الأجوبة يجد بعضها مشوباً بالتكلف والمنازعة بين أفراد النحاة في تقديم وجه على وجه. لكن الذي يظهر لي من خلال البحث أن هذه الآية الكريمة جاءت على لغة مشهورة معروفة شائعة وقت نزول القرآن في قبيلة قريش وإن لم تكن في أصلها للقرشيين وهي إلزام المثنى الألف في جميع حالاته.
هذا ولا ينبغي أن يفوت التنبيه على أن بعض العلماء يردون بعض القراءات لمخالفتها للرسم وهذا رد غير مقبول إذ الرسم أمر تال للقراءة وليس متقدماً عليها، وإنما كان الرسم بعد تواتر نقل هذه القراءة، فكيف نردها بعد التواتر بحجة أن الذين كتبوا المصحف لم تكن كتابتهم لتستوعب هذه الوجوه المتواترة. لعمرك إن هذا لخلف في القول وشرود عن الصواب فينبغي الحذر منه، وكذا ينبغي الحذر من رد القراءات المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأي وجه من الوجوه؛ فالقراءة المتواترة قرآن بإجماع المسلمين فردها يعني رد جزء من القرآن وهذا في غاية الخطورة. والله تعالى أعلم بالصواب
ثانيا: قوله تعالى (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما) (النساء: 162)
القراءات في هذه الآية:
قرأ جميع القراء في القراءات المتواترة (والمقيمين الصلاة) بالنصب. وهي هكذا مكتوبة في جميع المصاحف كما نص على هذا القرطبي في التفسير وقرأ الحسن ومالك بن دينار وعيسى الثقفي وجماعة (والمقيمون) بالرفع. وهي قراءة شاذة وقد اختلف المفسرون في توجيه القراءة المتواترة على أنحاء أهمها:
أولا: إنه منصوب على المدح لبيان فضل الصلاة والمصلين
¥