ثانيا: إن المقيمين معطوف على (ما) والمعنى: والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالمقيمين الصلاة. ويكون المراد بالمقيمين إما الأنبياء وإما الملائكة والثاني اختيار الطبري. وأما بقية الوجوه فقد ردها جميع المفسرين لأنها من قبيل ما لا يسوغ في النحو والمعنى ولذلك كان الاقتصار على هذين الوجهين
والقول الأول هو الأظهر عربية والأبين أسلوباً وهو اختيار سيبويه والنحاس ونحاة البصرة وأكثر المفسرين.
وأما تأويل الطبري فهو يحتاج إلى استقراء أسلوب القران الحكيم وهل يعبر فيه عن الملائكة والأنبياء بمثل هذا التعبير وعلى أي حال من جهة المعنى لا حرج في هذا التأويل، لكن يبقى الحديث عن أسلوب القران الذي لم يرد فيه على الإطلاق استعمال مثل هذا التعبير في حق الملائكة والأنبياء عليهم جميعا السلام والله أعلم.
ثالثاً: قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (المائدة: 69)
القراءات في هذه الآية:
اتفق القراء في القراءات المتواترة على قراءة (والصابئون) بالرفع، ومن نسب غير ذلك لابن كثير فقد وهم. إذ لم ينص أي كتاب من كتب القراءات على وجود الخلاف في هذا الموضع وقد اختلف المفسرون والمعربون في توجيه هذه القراءة على أنحاء متنوعة لخصها العكبري بما حاصله:-
أولاً: قول سيبويه: إن النية به التأخير بعد خبر إن وتقديره " ولا هم يحزنون والصابئون كذلك " فهو مبتدأ والخبر محذوف.
ثانياً: إنه معطوف على موضع إن كقولك: إن زيداً وعمرو قائمان. قال العكبري: وهذا خطأ لأن خبر إن لم يتم. وقائمان إن جعلته خبر إن لم يبق لعمرو خبر، وإن جعلته خبر عمرو لم يبق لإن خبر، ثم هو ممتنع من جهة المعنى لأنك تخبر بالمثنى عن المفرد.
ثالثاً: إن (الصابئون) معطوف على الفاعل في (هادوا) قال العكبري: وهذا فاسد لوجهين: أحدهما: أنه يوجب كون الصابئين هوداً، وليسوا كذلك
الثاني: أن الضمير لم يؤكد.
رابعاً: أن يكون خبر الصابئين محذوفاً من غير أن ينوى به تأخير، وهو ضعيف أيضاً لما فيه من لزوم الحذف والفصل.
خامساً: إن (إنّ) بمعنى نعم، فما بعدها في موضع رفع. فالصابئون كذلك.
سادساً: إن (الصابئون) في موضع نصب، ولكنه جاء على لغة " بلحرث " الذين يجعلون التثنية بالألف على كل حال، والجمع بالواو على كل حال.
سابعاً: أن يجعل النون حرف الإعراب
هذه هي الأقوال التي ذكرها العكبري ملخصاً بها جميع الأقاويل في إعراب الآية غير أن الشيخ ابن عاشور قد ذكر رأياً آخر وفصل في المسألة تفصيلاً حسناً وهذا كلامه: قال: الذي أراه أن يجعل خبر (إن) محذوفاً. وحذف خبر إن وارد في الكلام الفصيح غير قليل، كما ذكر سيبويه في كتابه. وقد دل على الخبر ما ذكر بعده من قوله (فلهم أجرهم عند ربهم) ويكون قوله (والذين هادوا) عطف جملة على جملة، فيجعل (الذين هادوا) مبتدأ، ولذلك حق رفع ما عطف عليه وهو (والصابئون). وهذا أولى من جعل (والصابئون) مبتدأ الجملة وتقدير خبر له، أي: والصابئون كذلك، كما ذهب إليه الأكثرون لأن ذلك يفضي إلى اختلاف المتعاطفات في الحكم وتشتيتها مع إمكان التفصي عن ذلك، ويكون قوله (من آمن بالله) مبتدأ ثانياً، وتكون (من) موصولة، والرابط للجملة التي قبلها محذوفاً أي من آمن منهم، وجملة (فلهم أجرهم) خبراً عن (من) الموصولة، واقترانها بالفاء لأن الموصول شبيه بالشرط، وذلك كثير في الكلام كقوله تعالى (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم) الآية 10 - البروج. ووجود الفاء فيه يعني كونه خبراً عن (من) الموصولة وليس خبر (إن) على عكس قول ضابي بن الحارث:
ومن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب
فإن وجود لام الابتداء في قوله (لغريب) عين أنه خبر (إن) وتقدير خبر عن قيار.
فلا ينظر به قوله تعالى (والصابئون) .... وجمهور المفسرين جعلوا قوله تعالى (والصابئون) مبتدأ وجعلوه مقدما من تأخير , وقدروا له خبرا محذوفا للدلالة خبر (أن) عليه. وأن أصل النظم: إن الذين أمنوا والذين هادوا والنصارى لهم أجرهم.الخ , والصابئون كذلك , جعلوه كقول ضابئ بن الحارث
فإني وقيار بها لغريب
¥