ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[13 - 03 - 03, 05:54 ص]ـ
دراسات قرآنية
مصادر التفسير:
تفسير القرآن بالقرآن
(1)
بقلم: مساعد بن سليمان الطيار
يراد: بمصادر التفسير: المراجع الأولية التي يرجع إليها المفسر عند تفسيره
لكتاب الله، وهذه المصادر هي: القرآن، والسنة، وأقوال الصحابة، وأقوال
التابعين وتابعيهم، واللغة، والرأي والاجتهاد. وإنما قيل:» المراجع الأولية «؛
لئلا تدخل كتب التفسير؛ لأنها تعتبر مصادر، ولكن الحديث هنا ليس عنها.
وقد اصطلح شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728ه) على تسميتها ب (طرق
التفسير)، ذكر منها أربعة، وهي: القرآن، والسنة، وأقوال الصحابة، وأقوال
التابعين في التفسير [1].
وجعلها بدر الدين الزركشي (ت: 794ه) مآخذ التفسير، وذكر أمهاتها،
وهي أربع: النقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم الأخذ بقول الصحابة، ثم الأخذ بمطلق اللغة، ثم التفسير بالمقتضى من معنى الكلام والمقتضب من قوة
الشرع [2]. وسيكون الحديث عن هذه المصادر متتابعاً إن شاء الله تعالى.
تفسير القرآن بالقرآن:
يعتبر القرآن أول مصدر لبيان تفسيره؛ لأن المتكلم به هو أولى من يوضّح
مراده بكلامه؛ فإذا تبيّن مراده به منه، فإنه لا يُعدل عنه إلى غيره.
ولذا عدّه بعض العلماء أول طريق من طرق تفسير القرآن [3]، وقال آخر:
إنه من أبلغ التفاسير [4]، وإنما يُرْجَع إلى القرآن لبيان القرآن؛ لأنه قد يَرِدُ
إجمال في آية تبيّنه آية أخرى، وإبهام في آية توضّحه آية أخرى، وهكذا.
وسأطرح في هذا الموضوع قضيتين:
الأولى: بيان المصطلح.
الثانية: طريقة الوصول إلى تفسير القرآن بالقرآن.
بيان المصطلح:
التفسير: كشفٌ وبيانٌ لأمر يحتاج إلى الإيضاح، والمفَسّر حينما يُجْري
عملية التفسير، فإنه يبيّن المعنى المراد ويوضّحه.
فتفسير المفسر لمعنى» عُطّلت «في قوله (تعالى):] وَإذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ [
[التكوير: 4] بأنها: أُهمِلت، هو بيان وتوضيح لمعنى هذه اللفظة القرآنية.
وفي هذا المثال يُقَال: تفسير القرآن بقول فلان؛ لأنه هو الذي قام ببيان
معنى اللفظة في الآية.
ومن هنا، فهل كل ما قيل فيه: (تفسير القرآن بالقرآن) يعني أن البيان عن
شيء في الآية وقع بآية أخرى فسّرتها، أم أن هذا المصطلح أوسع من البيان؟
ولكي يتضح المراد بهذا الاستفسار استعرض معي هذه الأمثلة:
المثال الأول: عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: لما نزلت] الَّذِينَ آمَنُوا
وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [[الأنعام: 82].
قلنا: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أيّنا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس
كما تقولون،] لم يلبسوا إيمانهم بظلم [: بشرك، أو لم تسمعوا إلى قول لقمان
لابنه:] يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [[لقمان: 13] «[5].
المثال الثاني: قال الشيخ الشنقيطي (ت: 1393ه):» ومن أنواع البيان
المذكورة أن يكون الله خلق شيئاً لحِكَمٍ متعددة، فيذكر بعضها في موضع، فإننا نُبيّن
البقية المذكورة في المواضع الأُخر.
ومثاله: قوله تعالى:] وَهُوَ الَذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا [
[الأنعام: 97].
فإن من حِكَمِ خلق النجوم تزيين السماء الدنيا، ورجم الشياطين أيضاً، كما
بينّه (تعالى) بقوله:] وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ [[الملك: 5] وقوله:] إنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الكَوَاكِب * وَحِفْظاً مِّن كُلِّ
شَيْطَانٍ مَّارِدٍ [[الصافات: 6، 7] [6].
المثال الثالث: قال الشيخ محمد حسين الذهبي:» ومن تفسير القرآن بالقرآن: الجمع بين ما يُتَوهم أنه مختلف؛ كخلق آدم من تراب في بعضٍ، ومن طينٍ في
غيرها، ومن حمأ مسنون، ومن صلصالٍ، فإن هذا ذِكْرٌ للأطوار التي مرّ بها آدم
من مبدأ خلقه إلى نفخ الروح فيه «[7].
نقد الأمثلة:
إذا فحصت هذه الأمثلة فإنه سيظهر لك من خلال الفحص ما يلي:
ستجد أن المثال الأول وقع فيه البيان عن المراد بالظلم بآية أخرى، أي: إن
القرآن وضّح القرآن.
¥