" فالملاحدة والاتحادية يحتجون به (يعني: هذا الحديث) على قولهم؛ بقوله: كنت سمعه وبصره ويده ورجله، والحديث حجة عليهم من وجوه كثيرة منها:
قوله: (من عادى لي وليا؛ فقد بارزني بالمحاربة)، فأثبت معاديًا ومحاربا ووليا غير المعادي، وأثبت لنفسه سبحانه هذا وهذا.
ومنها قوله: (وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضته عليه)، فأثبت عبدًا متقربًا إلى ربه بما افترض عليه من فرائض.
ومنها قوله: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، فأثبت متقربًا ومتقربًا إليه، ومحبًا ومحبوبا غيره، وهذا كله ينقض قولهم.
ومنها قوله: (فإذا أحببته؛ كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به. . . إلخ)؛ فإنه جعل لعبده بعد محبته هذه الأمور، وهو عندهم قبل المحبة وبعدها واحد.
د - وأما قوله: " وما هو المعنى المراد من الحديث الشريف: (إن تقرب مني شبرًا). . . " إلخ؟ فنقول: المراد منه قرب الله من عبده إذا تقرب إليه بالعبادة، وقرب الله من عباده المؤمنين ثابت بالكتاب والسنة وإجماع أهل السنة. قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في (مجموع الفتاوى) (5/ 464) في معنى الحديث: " وهو سبحانه قد وصف نفسه في كتابه وفي سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقربه من الداعي، وقربه من المتقرب إليه ".
وذكر الآية والحديث، وقال: (5/ 510): " فكلما تقرب العبد باختياره قدر شبر زاده الرب قربًا إليه، حتى يكون كالمتقرب بذراع ".
وقال العلامة ابن القيم في " الصواعق " (2/ 412 – 413 – المختصر): " وقد بينا بأنه سبحانه قريب من أهل الإحسان، ومن أهل سؤاله وإجابته ". ويوضح ذلك بأن الإحسان يقتضي قرب العبد من ربه، فيقرب ربه منه. . . إلى أن قال: " فإنه من تقرب منه شبرًا يتقرب منه ذراعًا، ومن تقرب منه ذراعًا؛ تقرب منه باعًا. . . ".
إلى أن قال: " وهو مع ذلك فوق سماواته، على عرشه؛ كما أنه سبحانه يقرب من عباده في آخر الليل وهو فوق عرشه، ويدنو من أهل عرفة عشية عرفة وهو على عرشه، فإن علوه سبحانه على سماواته من لوازم ذاته، فلا يكون قط إلا عاليًا، ولا يكون فوقه شيء ألبتة؛ كما قال أعلم الخلق: " فأنت الظاهر؛ فليس فوقك شيء "، وهو سبحانه قريب في علوه، عال في قربه. . . ".
إلى أن قال: " والذي يسهل عليك فهم هذا معرفة عظمة الرب، وأحاطته بخلقه، وأن السماوات السبع في يده كخردلة في يد العبد، وأنه سبحانه يقبض السماوات بيده والأرض بيده الأخرى ثم يهزهن. فكيف يستحيل في حق من هذا بعض عظمته أن يكون فوق عرشه ويقرب من خلقه كيف يشاء وهو على العرش؟!. انتهى.
15 - يدافع الشيخ الصابوني عن الذين يؤولون الصفات، فيقول: " إنهم ما أنكروا الصفات كما فعل الجهمية والمعتزلة، وإنما أولوها بما يحتمله اللفظ؛ دفعًا للتشبيه والتجسيم. . . " إلخ.
- ونقول له: هذه مغالطة منك؛ لأن من أول الصفات عن مدلولها الصحيح ومعناها الصريح؛ كمن أول اليد بالنعمة، والاستواء على العرش بالاستيلاء عليه، والوجه بالذات؛ أليس هو بذلك قد نفى اليد الحقيقية والاستواء الحقيقي والوجه الحقيقي وصرفها إلى معان غير مقصودة باللفظ أصلًا؟! فكيف لا يكون مع ذلك قد نفى الصفات؟!.
16 - ثم يواصل الدفاع عنهم، فيقول:
- " ثم هم يقولون في المجيئ والإتيان: إن المطلق يحمل على المقيد، فقوله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ}، وقوله {أو يَأْتِيَ رَبُّكَ}؛ يحمل على المقيد في قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أو يَأْتِيَ رَبُّكَ}، فكيف نكفرهم وهم يحتجون بالقرآن على بعض التأويلات؟! "
ونقول له: نحن لا نكفرهم بذلك كما سبق، لكننا نخطئهم ونضللهم في مثل هذا التأويل، وحمل المطلق على المقيد ليس هذا من موارده؛ لاختلاف المقصود من النصين، فكل منهما يقصد به غير ما يقصد بالآخر، فمواردها مختلفة فيبقى كل نص على مدلوله، ولا يحمل أحدهما على الآخر.
قال العلامة ابن القيم في (الصواعق) (2/ 385 - 386 - المختصر):
¥