وهذا هو اللائق بمقام الصفوة من النحاة المؤمنين الأوائل، ولا يمكن القول إنّ عدم استدلالهم بالحديث يعني أنّهم لا يجيزون ذلك، أو أنّهم يفضّلون غيره عليه في هذا المجال.
وهو لا يمنع من وجود فئةٍ من النحاة المتقدّمين من الذين لم يتعاطوا علم الحديث ولم يمارسوه، فاستسهلوا الشعر واستصعبوا الحديث، لما يتطلّبه من إحاطة
بروايته ومعرفة بدرايته، فآثروا رواية الشعر والأمثال والخطب على الخوض في غمار الحديث وتجشّم مشقّة روايته، خصوصاً وأنّ معظمهم من فرسان الأدب وقادته، وجلّهم من حفظة الشعر وروايته، فضلاً عن نظمه والتسامر به.
ولهذا نجد أنّ بعض متأخّري النحاة ممّن كانوا على اطّلاع بالحديث وطرق تحمّله و ضوابط معرفة الصحيح من السقيم، قد أجازوا الاستشهاد بالحديث مصرّحين بذلك في مصنّفاتهم، مستشهدين بنصوص كثيرة منه سيما بعد تحقّق الغرض الذي لأجله نهض النحاة المتقدّمون.
وبحمد الله سبحانه أنّ الدراسات اللغوية والنحوية المعاصرة تميل اليوم إلى الاحتجاج بالحديث، وقد خطت خطوات متقدّمة على صعيد البحث والدراسة، أغنت بها المكتبة الإسلامية والعربية، ومع ذلك ما زال أكثر الحديث أرضاً خصبةً بكراً، وكنزاً لغوياً حافلاً بالمفردات الفصيحة والتراكيب البليغة، فهو بحاجةٍ إلى مزيد من الدراسات اللغوية سيّما ما يخصّ نحو الحديث وصرفه وبلاغته.
(21) راجع المعجم المفصلّ / ميشال عاصي وإميل بديع1: 48.
(22) الشفا / القاضي عياض 1: 178، الفائق / الزمخشري ـ بيد ـ 1: 126.
(23) خزانه الأدب / البغدادي1: 10.
(24) ومنهم أبو الحسن ابن الضائع ت 680 هـ، وأبو حيّان ت 745 هـ، وهما من أشدّ المانعين من الاحتجاج بالحديث للأغراض النحوية.
(25) راجع المعجم المفصّل / ميشال عاصي وإميل بديع1: 48، خزانة الأدب / البغدادي1: 11 و13.
(26) راجع تحرير الرواية في تقرير الكفاية / ابن الطيّب الفاسي: 98، وخزانة الأدب / البغدادي1: 9.
(27) خزانة الأدب / البغدادي1: 13.
(28) خزانة الأدب / البغدادي1: 12 ـ 13.
(29) راجع تاريخ المدينة المنوّرة / ابن شبة3: 800، تذكرة الحفّاظ / الذهبي1: 7.
(30) راجع الطبقات الكبرى / ابن سعد5: 188، تقييد العلم / الخطيب البغدادي: 52 و54، تذكرة الحفّاظ / الذهبي1: 5.
(32) كنز العمال10: 300/ 29510.
(33) كنز العمال3: 850/ 8935.
(34) أي الشعراء الذين تقدّموا في كلامه كالنابغة الجعدي وكعب بن زهير وغيرهما.
(36) تدريب الراوي / السيوطي 2: 98، المحدّث الفاصل / الرامهرمزي: 530.
(39) راجع المصدر نفسه ص: 20.
(40) راجع فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر1: 166، إرشاد الساري / القسطلاني1: 358 ـ 359.
(41) العلل / أحمد بن حنبل1: 346/ 639،
(42) راجع المحدّث الفاصل / الرامهرمزي: 82 ـ 83، أُسد الغابة3: 320.
(43) تقييد العلم / الخطيب: 95 ـ 96.
(44) الطبقات الكبرى / ابن سعد5: 467.
(45) حلية الأولياء / أبو نعيم1: 240.
(46) المزهر / السيوطي2: 406، أعلام الزركلي2: 271.
(47) فهرست ابن النديم: 74، أعلام الزركلي2: 310.
(48) فهرست ابن النديم: 134.
(49) المزهر / السيوطي 2: 406، مراتب النحويين / أبو الطيب اللغوي: 73، أعلام الزركلي 2: 272.
(50) الأغاني / أبوالفرج 6: 89 ـ 92، الشعر والشعراء / ابن قتيبة: 536، الفهرست / ابن النديم: 74، المزهر / السيوطي 1: 176 ـ 177 و2: 403، مراتب النحويين / أبوالطيب اللغوي: 46.
(
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[21 - 06 - 03, 11:06 ص]ـ
الاختلاف في الاستشهاد بالحديث الشريف:
اتسعت دائرة الخلاف حول الاستشهاد بالحديث الشريف، وتضاربت الآراء واحتدم النقاش بين النحاة، وكان سبب الخلاف أن بعض النحاة نظروا إلى الحديث على أنه روى بالمعنى وأن الرواة دخلهم الاعجام، وأن منهم نشأ في بيئة مولدة ولم ينشأ على النطق بالعربية الصحيحة. واتخذ هؤلاء دليلا على أن الحديث روى بالمعنى: أنه يوجد أحاديث اختلف ألفاظها واحتفظت بمعانيها))؛ فترى الحديث الوارد في وقعة معنية قد اختلفت ألفاظه في الرواية، ومن هذه الألفاظ ما يكون جارياً على المعروف في كلام لعرب ومنها ما يكون مخالفا، وتصرف الرواة في الأحاديث هذا التصرف لأنهم كانوا يوجهون همهم إلى ما أودعه الحديث من أحكام وآداب فمتى عرف الراوي أن
¥