أتيتُ رسولَ الله إذ جاءَ بالهدى ... ويتلو كتاباً كالمجرة نَيِّرَا
وجاهدتُ حتى ما أحسُّ ومن معي ... سهيلاً إذا ما لاح ثُمَّتَ غوَّرَا
أقيم على التقوى وأرضى بفعلِها ... وكنتُ من النَّار المخوفة أَوْجَرَا
والكلام عليه مستفيض طويل فى أمهات كتب الأدب، وله ديوان شعر متداول.
[تنبيه ثانٍ] لعلَّ معترضاً يقول: ما الحاجة إلى العزو لأبى الفرج الأصبهانى، مع العلم بأنه ليس بثقة ولا مأمون؟، فنقول: رعايةً لحق السائلة بالتنويه إلى ما بين يديها من كتب الأدب المسندة، ومنها ((كتاب الأغانى))، ولا يخفى على طلاب علم الحديث تشيعه وإفراطه فى التشيع، فإن لم يكن أخواننا بهذه المثابة من المعرفة به، فقد تم التنويه إجمالاً، وربما فصلنا بيان حاله، إذا كان التخريج من جهته على وجه التفرد، وعدم المشاركة مع غيره ممن هو أوثق منه وأعلى.
****** ****** ******
[ثانياً] حديث كعب بن زهير المزنى
وله طرق كثيرة، لعلَّ أشهرها خمس طرق، استوعب أكثرها الحاكم فى ((مستدركه)):
[الأولى] الحجاج بن ذى الرقيبة عن أبيه عن جده، وهى أوفاها سياقاً.
أخرجها ابن أبى عاصم ((الآحاد والمثانى)) (5/ 168)، والحاكم (3/ 579) واللفظ له، وأبو نعيم ((معرفة الصحابة)) (5/ 2378)، والبيهقى ((السنن الكبرى)) (10/ 243) و ((دلائل النبوة)) (5/ 207)، وأبو الفرج الأصبهانى ((الأغانى)) (17/ 91) جميعا من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثني الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني عن أبيه عن جده قال: خرج كعب وبجير ابنا زهير، حتى أتيا أبرق العزَّاف، فقال بجير لكعب: أثبت في هذا المكان، حتى آتي هذا الرجل يعني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسمع ما يقول، فثبت كعب وخرج بجير، فجاء رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرض عليه الإسلام فأسلم، فبلغ ذلك كعباً، فقال:
ألا أبلغا عني بُجَيرَاً رِسَالةً ... على أي شيء ويبَ غيرُك دَلَكَا
على خُلُقٍ لم تلفِ أمَّاً ولا أباً ... عليه ولم تدركْ عليه أخاً لَكَا
سَقَاكَ أبو بكرٍ بِكأسٍ رَوِيَّةٍ ... وانهلكَ المأمونَ منها وَعَلَّكَا
فلما بلغت الأبيات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدر دمه، فقال: من لقي كعباً فليقتله، فكتب بذلك بجير إلى أخيه، يذكر له أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أهدر دمه، ويقول له: النجا، وما أراك تفلت!، ثم كتب إليه بعد ذلك: اعلم أنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا قبل ذلك، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم وأقبل، فأسلم كعبٌ، وقال القصيدة التي يمدح فيها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم دخل المسجد ورسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أصحابه مكان المائدة من القوم، متحلقون معه حلقة دون حلقة، يلتفت إلى هؤلاء مرة فيحدثهم، وإلى هؤلاء مرة فيحدثهم، قال كعب: فأنخت راحلتي بباب المسجد، فعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفة، فتخطيت حتى جلست إليه، فأسلمت، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، الأمان يا رسول الله، قال: ومن أنت؟، قلت: أنا كعب بن زهير، قال: أنت الذي تقول، ثم التفت إلى أبي بكر، فقال: كيف قال يا أبا بكر؟، فأنشده أبو بكر رضي الله عنه:
سَقَاكَ أبو بكرٍ بِكأسٍ رويَّةٍ ... وانهلكَ المأمورَ منها وعلَّكَا
قال: يا رسول الله ما قلت هكذا!، قال: وكيف قلت؟، قال: إنما قلت:
سَقَاكَ أبو بكرٍ بِكأسٍ رويَّةٍ ... وانهلكَ المأمونَ منها وعلَّكَا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مأمون والله، ثم أنشده القصيدة كلَّها، حتى أتى على آخرها، واملأها علىَّ الحجاج بن ذي الرقيبة حتى أتى على آخرها، وهي هذه القصيدة:
بانت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ ... متيم أثرها لم يفد مكبولُ
وما سعادُ غداةَ الْبَيْنِ إذ ظَعَنُوا ... إلا أغنُّ غضيض الطرف مكحولُ
تجلوا عوارض ذي ظُلَمٍ إذا ابتسمتْ ... كأنها مِنْهَلٌ بالكأس مَعْلُولُ
¥