تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخرجها ابن إسحاق ((السيرة النبوية))، ومن طريقه الطبرانى ((الكبير)) (19/ 177/403)، والحاكم (3/ 583)، والبيهقى ((دلائل النبوة)) (5/ 211) عن ابن إسحاق قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة منصرفه من الطائف، وكتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه كعب بن زهير بن أبي سلمى، يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه، ويؤذيه، وأنه من بقي من شعراء قريش ابن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة، فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا، وإن أنت لم تفعل فانج بنفسك إلى نجائك .... وذكر الحديث بنحوه.

قلت: وهذا إسناد أشد إعضالاً من سابقه، فما أبعد الشقة بين ابن إسحاق والصحابة رضى الله عنهم!.

[الخامسة] سعيد بن المسيب أن كعب بن زهير، هكذا مرسلاً.

أخرجه الزبير بن بكار ((أخبار المدينة))، ومن طريقه ابن قانع ((معجم الصحابة)) (2/ 381) عن بعض أهل المدينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: لما انتهي خبر قتل ابن خطل إلى كعب بن زهير بن أبي سلمى، وقد كان النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوعده بما أوعد ابن خطل، فقيل لكعب: إن لم تدرك نفسك قُتلت، فقدم المدينة، فسأل عن أرقِّ أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدل على أبي بكر رضي الله عنه، فأخبره خبره، وقد التثم، فمشى أبو بكر وكعب على إثره، حتى صار بين يدي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكر: الرجل يبايعك، فمدَّ النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده، ومد كعبٌ يده، فبايعه وسفر عن وجهه، وأنشده قصيدة:

أنبئتْ أنَّ رسولَ اللهِ أوعدني ... والعفو عندَ رَسُولِ اللهِ مَأمُولُ

إنَّ الرسولَ لسيفٌ يُستضاءُ بِهِ ... وصارمٌ من سُيوفِ الله مَسْلُولُ

فكساه النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بردةً له، فاشتراها معاوية من ولده بمالٍ، فهي البردة التي تلبسها الخلفاء في الأعياد.

قلت: هذا إسناد ضعيف جداً لإرساله وجهالة أشياخ الزبير بن بكار، ومتنه منكر مخالف لسياق القصة فى سائر طرقها، وأنكر ما فيه ((فكساه النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بردةً له))!.

والخلاصة أن طرق الحديث لا يصح منها كبير شئٍ، وأمثلها وهى رواية موسى بن عقبة معضلة، ولذا صرَّح الحافظ ابن كثير فى ((البداية والنهاية)) بقوله: ((وهذه القصيدة من الأمور المشهورة، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب بإسنادٍ أرتضيه، فالله أعلم)) اهـ. .

وقال الحافظ زين الدين العراقى: ((وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء، وذكرها ابن إسحق بسند منقطع)).

فإذا تقرر ذلك، مع إحاطة العلم بأن موسى بن عقبة إمام المغازى والسير، وتلميذ ابن شهاب الزهرى، من صغار التابعين من طبقة الأعمش، وجعفر بن أبى وحشية الذين لا إدراك ولا سماع لأحدهم من الصحابة، وليس هو كحميد بن أبى حميدٍ الطويل، وإبراهيم بن أبى عبلة، وحريز بن عثمان الرحبى وأمثالهم من أهل هذه الطبقة الذين لهم إدراك وسماع من الصحابة، فيتنزل الواحد منهم منزلة أكابر التابعين.

فالفارق شاسع بين مرسل الفريقين: الأول ممن لا سماع له ولا إدراك للصحابة، والثانى ممن هو فى نفس الطبقة وله إدراك وسماع من الصحابة. ولهذا قلت ((بين موسى بن عقبة وبين الصحابة مفاوز تنقطع دونها الأعناق))، ولا يمكننى أن أقول مثله فى مراسيل حميد وحريز وابن أبى عبلة، مع أنهم فى نفس طبقة موسى بن عقبة!.

فإن قيل: وما تأثير ذلك فى قبول معضل موسى بن عقبة أو رده؟.

قلت: هذا بحث طويل، مفاده أنه: إن قُبلت مراسيل من على هذه الوتيرة؛ تقوَّى الحديث لانتفاء شدة الضعف، وإن لم تقبل كان الحكم بضده، ولم يتقوى الحديث، لأنه أمثل طرق الحديث كما سبق بيانه.

أقول هذا رداً على من صحَّح الحديث بكثرة الطرق بلا شرط ولا قيد. ولا خلاف عندى فى تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد، وكذا بكثرة الطرق للحديث الضعيف الواحد، ولكن على الشروط التى ذكرها الحافظ الجهبذ زين الدين العراقى، الذى قال تبصرةً للمبتدى .. تذكرةً للمنتهى والْمُسْنِدِ:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير