وكما أن الماهية والذات تنقسم إلى قديمة ومحدثة، وماهية الرب عينذاته، فكذلك الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث، ووجود الرب عين ذاته، ووجود العبد عينذاته، وذات الشيء هي ماهيته.
فاللفظ من الألفاظ المتواطئة، ولكن بالإضافة يخص أحد المسميين، والمسميان إذا اشتركا في مسمى الوجود والذات والماهية، لم يكن بينهما في الخارج أمرمشترك يكون زائدًا على خصوصية كل واحد، كما يظنه أرسطو، وابن سينا، والرازي، وأمثالهم،
بل ليس في الخارج وجود مطلق، ولا ماهية مطلقة، ولا ذات مطلقة.
أما المطلق بشرط الإطلاق فقد اتفق هؤلاء وغيرهم على أنه ليس بموجودفي الخارج، وأن على تقدير ثبوته عن أفلاطون وأتباعه، هو قول باطل ضرورة.
وأما المطلق لا بشرط، فقد يظن أنه في الخارج وأنه جزء من المعين، وهذا غلط،
بل ليس في الخارج إلا المعينات، وليس في الخارج مطلق يكون جزء معين،
لكنهؤلاء يريدون بالجزء ما هو صفة ذاتية للموصوف؛ بناء على أن/ الموصوف مركب من تلكالصفات التي يسمونها الأجزاء الذاتية.
كما يقولون: الإنسان مركب من الحيوانوالناطق؛ أو من الحيوانية والناطقية، وهذا التركيب تركيب ذهني؛ فالماهية المركبة فيالذهن مركبة من هذه الأمور وهي أجزاء تلك الماهية.
وأما الحقيقة الموجودة في الخارج فهي موصوفة بهذه الصفات، ولكنكثيرًا من هؤلاء اشتبه عليه الوجود الذهني بالخارجي، وهذا الغلط وقع كثيرًا فيأقوال المتفلسفة، فأوائلهم كأصحاب فيثاغورس كانوا يقولون بوجود أعداد مجردة عنالمعدودات في الخارج، وأصحاب أفلاطون يقولون: بوجود المثل الأفلاطونية، وهيالحقائق المطلقة عن المعينات في الخارج. وهذه الحقائق مقارنة للمعينات في الخارجكما أثبتوا جواهر عقلية، وهي المجردات: كالمادة، والهيولى؛ والعقول والنفوس علىقول بعضهم.
ومن هذا الباب تفريقهم بين الصفات الذاتية المتقدمة للماهية، التيتتركب منها الأنواع ويسمونها الأجناس والفصول، وبين الصفات العارضة اللازمة للماهيةالتي يسمونها خواصًا وأعراضًا عامة. وهذه الخمسة هي الكليات؛ وهي الجنس، والفصل، والنوع، والعرض العام، والخاصة، وقد وقع بسبب ذلك من الغلط في [منطقهم] وفي [الإلهيات] ما ضل به كثير من الخلق، وقد نبهنا على ذلك في غير هذا الموضع بمالا يتسع له هذا الموضع؛ ولهذا كان لفظ المركب / عندهم يقال على خمسة معان: علىالمركب من الوجود والماهية، والمركب من الذات والصفات، والمركب من الخاص والعام، والمركب من المادة والصورة، والقائلون بالجوهر الفرد يثبتون التركيب من الجواهرالمفردة.
والمحققون من أهل العلم يعلمون أن تسمية مثل هذه المعاني تركيبًاأمر اصطلاحي، وهو إما أمر ذهني لا وجود له في الخارج، وإما أن يعود إلى صفات متعددةقائمة بالموصوف، وهذا حق.
فإن مذهب أهل السنة والجماعة: إثبات الصفات للّه ـ تعالى ـ بلصفات الكمال لازمة لذاته، يمتنع ثبوت ذاته بدون صفات الكمال اللازمة له، بل يمتنعتحقق ذات من الذوات عَرِيَّة عن جميع الصفات، وهذا كله مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أنه إذا قيل: هذا إنسان، فالمشار إليه بهذا المسمىبإنسان، وليس الإنسان المطلق جزءًا من هذا، وليس الإنسان هنا إلا مقيدًا وإنما يوجدمطلقًا في الذهن؛ لا في الخارج. وإذا قيل هذا في الإنسانية فالمعنى: أن بينهماتشابها فيها؛ لا أن هناك شيئًا موجودًا في الأعيان يشتركان فيه.
فليتدبر اللبيب هذا، فإنه يحل شبهات كثيرة، ومن فهم هذا الموضع تبينله غلط من جعل هذه الأسماء مقولة بالاشتراك اللفظي لا المعنوي، وغلط من جعل أسماءاللّه ـ تعالى ـ أعلامًا محضة لا تدل على معان، ومن زعم أن في الخارج /حقائق مطلقةيشترك فيها الأعيان، وعلم أن ما يستحق الرب لنفسه لا يشركه فيه غيره بوجه منالوجوه، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات.
وأما المخلوق فقد يماثله غيره في صفاته، لكن لا يشركه في غير مايستحقه منها، والأسماء المتواطئة المقولة على هذا وهذا حقيقة في هذا وهذا؛ فإذاكانت عامة لهما تناولتهما، وإن كانت مطلقة لم يمنع تصورهما من اشتراكهما فيها، وإنكانت مقيدة اختصت بمحلها.
¥