تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا قال: وجود اللّه، وذات اللّه، وعلم اللّه، وقدرة اللّه، وسمعاللّه، وبصر اللّه، وأرادة اللّه، وكلام اللّه، ورحمة اللّه، وغضب اللّه واستواءاللّه، ونزول اللّه، ومحبة اللّه، وإرادة الله ونحو ذلك، كانت هذه الأسماء كلهاحقيقة للّه ـ تعالى ـ من غير أن يدخل فيها شيء من المخلوقات، ومن غير أن يماثلهفيها شيء من المخلوقات. وإذا قال: وجود العبد وذاته، وماهيته، وعلمه، وقدرته، وسمعه، وبصره، وكلامه، واستواؤه، ونزوله، كان هذا حقيقة للعبد مختصة به، من غير أنتماثل صفات اللّه ـ تعالى.

بل أبلغ من ذلك أن اللّه أخبر أن في الجنة من المطاعم والمشاربوالملابس والمناكح، ما ذكره في كتابه، كما أخبر أن فيها لبنا، وعسلًا، وخمرًا، ولحمًا، وحريرًا، وذهبًا، وفضة، وحورًا، وقصورًا، ونحو ذلك، وقد قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء.

/فتلك الحقائق التي في الآخرة ليست مماثلة لهذه الحقائق التي فيالدنيا، وإن كانت مشابهة لها من بعض الوجوه، والاسم يتناولها حقيقة، ومعلوم أنالخالق أبعد عن مشابهة المخلوق، فكيف يجوز أن يظن أن فيما أثبته اللّه ـ تعالى ـ منأسمائه وصفاته مماثلا لمخلوقاته؟ وأن يقال: ليس ذلك بحقيقة، وهل يكون أحق بهذهالأسماء الحسنى والصفات العليا من رب السموات والأرض؟! مع أن مباينته للمخلوقاتأعظم من مباينة كل مخلوق.

والجاهل يضل بقول المتكلمين: إن العرب وضعوا لفظ الاستواء لاستواءالإنسان على المنزل أو الفلك، أو استواء السفينة على الجودي، ونحو ذلك من استواءبعض المخلوقات، فهذا كما يقول القائل: إنما وضعوا لفظ السمع والبصر والكلام لمايكون محله حدقة وأجفانا وأصمخة وأذنًا وشفتين، وهذا ضلال في الشرع وكذب، وإنماوضعوا لفظ الرحمة والعلم والإرادة لما يكون محله مضغة لحم وفؤاد، وهذا كله جهلمنه.

فإن العرب إنما وضعت للإنسان ما أضافته إليه، فإذا قالت: سمعالعبد، وبصره، وكلامه، وعلمه، وإرادته، ورحمته، فما يخص به يتناول ذلك خصائصالعبد. وإذا قيل: سمع اللّه وبصره، وكلامه وعلمه، وإرادته ورحمته، كان هذامتناولًا لما يخص به الرب، لا يدخل في ذلك شيء من خصائص المخلوقين، فمن ظن أن هذاالاستواء إذا كان حقيقة يتناول شيئًا من صفات المخلوقين مع كون النص قد خصه باللّه، كان جاهلًا جدًا بدلالات اللغات، ومعرفة الحقيقة والمجاز.

/وهؤلاء الجهال يمثلون في ابتداء فهمهم صفات الخالق بصفات المخلوق، ثم ينفون ذلك ويعطلونه، فلا يفهمون من ذلك إلا ما يختص بالمخلوق، وينفون مضمون ذلك، ويكونون قد جحدوا ما يستحقه الرب من خصائصه وصفاته، وألحدوا في أسماء اللّه وآياته، وخرجوا عن القياس العقلي والنص الشرعي، فلا يبقى بأيديهم لا معقول صريح ولا منقولصحيح، ثم لابد لهم من إثبات بعض ما يثبته أهل الإثبات من الأسماء والصفات. فإذاأثبتوا البعض ونفوا البعض قيل لهم: ما الفرق بين ما أثبتموه ونفيتموه؟ ولم كانهذا حقيقة ولم يكن هذا حقيقة؟ لم يكن لهم جواب أصلا، وظهر بذلك جهلهم وضلالهمشرعًا وقدرًا.

وقد تدبرت كلام عامة من ينفي شيئًا مما أثبته الرسل من الأسماءوالصفات، فوجدتهم كلهم متناقضين؛ فإنهم يحتجون لما نفوه بنظير ما يحتج به النافيلما أثبتوه، فيلزمهم إما إثبات الأمرين وإما نفيهما، فإذا نفوهما فلا بد لهم أنيقولوا بالواجب الوجود وعدمه جميعًا. وهذا نهاية هؤلاء النفاة الملاحدة الغلاة منالقرامطة وغلاة المتفلسفة، فإنهم إذا أخذوا ينفون النقيضين جميعًا، فالنقيضان كماأنهما لا يجتمعان، فلا يرتفعان.

ومن جهة أن ما يسلبون عنه النقيضين لابد أن يتصوروه وأن يعبروا عنه؛ فإن التصديق مسبوق بالتصور، ومتى تصوروه وعبروا عنه كقولهم: الثابت والواجب أو أيشيء قالوه، لزمهم فيه من إثبات القدر المشترك نظير ما يلزمهم فيما نفوه، /ولا يمكنأن يتصور شيء من ذلك مع قولهم: أسماء اللّه مقولة بالاشتراك اللفظي فقط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير