ولا يمكنكم أن تظفروا بكتابِ " الفلسفةِ النظريةِ " إلا من بيروت ... وهذا الكتابُ عميقٌ يحتاجُ إلى كدِّ الفكرِ، على أنّهُ لم يطبعْ كلهُ لأنّهُ 12 جزءاً، طُبعَ منه سبعةُ أجزاءٍ على ما أتذكرُ.
أختمُ بطيبِ التحيّاتِ- إنّي كسولٌ في هذه الأيامِ وأراني في حاجةٍ إلى الكسلِ أيضاً -.
والسلامُ عليكم ورحمة الله.
من الداعي مصطفى صادق الرافعي
11 – ما أصابهُ من تعبٍ في إعجازِ القرآن
طنطا في 28 مارس سنة 1916
أيّها الأخُ:
السلامُ عليكم .... ،
أمّا قطعةُ " زهرِ الربيعِ " فإنّي أريدُ كتابتها ولكن متى جاءَ وقتها، وهذا الوقتُ لا أدري متى هو، فإنّي لا أكتبُ عندما أريدُ، ولكن يضطرني الموضوعُ نفسهُ إلى الكتابةِ فيهِ.
وأحبُّ أن أعلمكم – وحدكم – أنّ كتابَ " المساكين " لا يزالُ منه فصلٌ لمّا يكتبْ، لأنّ الأشهرَ الماضيةَ كانت كثيرةَ الأمراضِ عليَّ كما أعلمتكم من قبلُ، وأمراضي كلّها عصبيةٌ وقد ترادفتْ منذُ فرغتُ من الجزءِ الثاني من " التاريخِ "، لأنّي تعبتُ فيهِ إلى أقصى ما يتحمّلُ جسمي وعقلي.
ولذلك تراني أكتبُ يومينِ أو ثلاثة، ثمّ أضطرُ إلى تركِ الكتابةِ عشرة أيّامٍ أو أكثر، مع أنّ جسمي – والحمد لله – غيرُ ضعيفٍ ولكن أعصابي قد تأثرتْ من دماغي كثيراً، ذكرتُ لكم كلَّ هذا لكيلا تستعجلوا " بالمساكين " ولا تسأموا الانتظارَ.
والسلامُ عليكم ورحمة الله.
مصطفى صادق الرافعي
12 – رأيهُ في كتب المنطقِ والبلاغةِ وفي " المنفلوطي "
طنطا في 16 أبريل سنة 1916
أيّها الأخُ:
السلامُ عليكم،
ولقد وصلَ كتابكم الآن وإنّي أعجلُ بالرّدِ لأنّ عليَّ أعمالاً كثيرةً أريدُ أن أفرغَ لها، أمّا كتبُ المنطقِ فلا فائدةَ منها إلا في تفتيقِ الذهن ِ، وهذه الفائدةُ على أتمّها في كتبِ الكلامِ العربي " كالمقاصدِ " و " المواقف " وغيرهما، على أنّ ذلكَ لا يمنعُ من قراءةِ المنطقِ العربي اليوناني.
ولكنّ المتأخرينَ جعلوا هذا الفرعَ من العلمِ غايةً في الترتيبِ والسهولةِ والفائدةِ – وأريدُ بالمتأخرينَ علماءَ الإفرنجِ -، ومن أجزاءِ " الفلسفةِ النظريةِ " جزءٌ خاصٌ في المنطقِ.
ورأي – أنا – أن علمَ المنطقِ كعلمِ البلاغةِ لا فائدةَ في كليهما لمن لا يستطيعُ أن يكونَ منطقيّاً وبليغاً بدرسهِ وبحثهِ.
وإنّي أذكرُ لكم خبراً عن نفسي:
فقد كنتُ أوّل الطلبِ منذُ 17 سنةً قصدتُ مصر واجتمعتُ هناكَ بطائفةٍ من أهلِ الفكرِ، وكانَ منهم " عبدالعزيز الثعالبي "، وهو رجلٌ تونسيٌ مؤرخٌ سياسي كان يدرس في أوربا بعض فروع المشرقيّاتِ، ومن أمرهِ أنّه لا يتكلّمُ إلا الفصحى، فساجلتهُ الحديثَ بلغتهِ وطريقتهِ المنطقيةِ – ولم أكن قرأتُ في المنطقِ شيئاً غير فصلٍ واحدٍ من كتابٍ أزهريٍّ يبتديءُ به المجاورون وقد أنسيتُ اسمه -، فقال لي أخيراً: على من درستَ المنطقَ؟، قلتُ لهُ: من الذي وضعَ هذا العلمَ؟، قالَ: أرسطو، قلتُ: ولم لا تكونُ قريحتي في ذلكَ كقريحةِ أرسطو؟ ... .
أسوقُ لكم هذه العبارةَ لتعلموا أنّ الفنّ نفسه غيرُ ضروريٌّ على ما هو في كتبهِ، فإنّ زمن المصطلحاتِ المنطقيّةِ قد مضى، وكانت هذه المصطلحاتُ لازمةً للجدلِ، ولا جدلَ اليومَ ... ويمكنكم أن تبدأوا القراءةَ في الكتبِ المقرّرةِ لطلبةِ الأزهرِ، وهي شروحٌ وحواشٍ كلّها مفيدٌ ... .
وأمّا الكلامُ عن الشعراءِ والكتّابِ، فلا أستطيعُ أن أقولَ قولاً أؤخذُ بهِ، ورأيّ علماءِ العربِ في ذلك هو رأي فلاسفةِ النقدِ اليومَ، وذلك أنّهم يكرهون الكلامَ عن رجل ٍ لا يزالُ حيّاً، ولكن متى ختم تاريخهُ تكلّموا فيهِ، لأنّ من الناسِ من ينبغُ في آخرِ عمرهِ نبوغاً يفوقُ الوصفَ، ومنهم من يكونُ نبوغهُ في الكهولةِ أو في الشبابِ وهكذا، وفي " حاصلِ المطلوباتِ " أنّ كتابَ الشعراء والكتّابِ لا يكونُ إلا بعد سنين طويلةٍ – إن فسح اللهُ في الأجل ِ -، إذ هو في الحقيقةِ تاريخٌ للأدبِ العصري.
¥